تاريخ علوم الأرض ( الرحلة الجيولوجية
يعتبر فلاسفة الإغريق أقدم المهتمين بدراسة المظاهر
الجيولوجية فقد اعتبر طاليس ( 606 - 546 ق.م ) الأرض قرصاً مسطحاً تحيط به
المياه واعتقد أن الماء مصدر جميع المواد في الأرض مع ملاحظته لترسبات
الأنهار في مصباتها كما أعتقد أن حركة المياه هي التي تؤدي إلى الهزات
الارضية ...
أما أناكسيمندر ( 610 - 547 ق.م ) فقد
تصور الأرض كإسطوانة . وآمن بتطور الحيوانات والإنسان من الأسماك ويعقد
بأنه كان أول من صنع خارطة للعالم المعروف في حينه كما اعتقد بأن جميع
المواد منشؤها الهواء ، أما هيراقليطس ( 576 - 250 ق.م ) فقد اعتبر النار
أصل كل الأشياء . بينما استنتج زينوفانيس ( 560 - 478 ق.م ) من حقيقة كون
الأحافير ذات أصل بحري بأن البحار واليابسة كانتا مندمجتين في فترة من
الفترات . وكروية الأرض اعتقد بها كلاً من أفلاطون باعتبار أن الشكل
الكروي هو الشكل الأمثل وفيثاغورس ....
هيكاتايوس :
قال بأن الارض كروية ومحاظة بالماء من كافة جهاتها .
هيرودت :
أعتقدت بأن طول الارض من الشرق غلى الغرب أكثر من طولها من الشمال إلى
الجنوب ، وأن الارض تشبه صدفة تسبح في مياه محيط كبير وأن السماء تغطي هذه
الصدفة .
و بعد ذلك أخذت أفكار العلماء عن الأرض والكون تتطور وتنمو حتى تمكن العالم المشهور أرسطو ( 384 - 322 ق.م ) ، حيث قال :
كروية الأرض ناتجة عن عن الجاذبية الأرضية وان الارض مركز الكون
أما الفيلسوف ديموقريطس ( 462 - 357 ق.م ) فقد اعتقد بأن الأرض والأجرام السماوية هي كرات تكونت من تجمع الذرات .
إن بعض الفلاسفة الإغريق أدرك حقيقة كون سطح الأرض في تغير مستملا وبأنها قد تعرضت لارتفاعات وانخفاضات .
وفي عهد الامبروطورية الرومانية ( 27 ق.م - 935 م )
لم يكن هناك أي اهتمام بالعلوم الطبيعية ، وقد اعتبرها أكثر الرومان من
أهواء الفكر الإغريقي .
وممن يجدر ذكره هو العالم بليني عالم الطبيعيات الروماني في القرن الأول
بعد الميلاد الذي خصص خمسة من كتبه الثلاثة والسبعين لدراسة المعادن ، ثم
كانت العصور المظلمة ( 500 - 1100 م ) وفي هذه الفترة اختفت مؤلفات
الفلاسفة الإغريق في ظلمات هذا العصر في أوروبا وأشرقت المعرفة من بلاد
العرب حيث مراكز الحضارة الإسلامية العظيمة والرخاء والعلوم
علماء الارض والجيولوجية : -
يعتبر ابن سينا من
الرواد الأوائل في علوم الجيولوجيا عند العرب وآراؤه التي سندرجها تعتبر
أساساً للعديد من العلوم الجيولوجية التي تطورت بعده .. كما أن رسالته في
( المعادن والآثار العلوية ) من كتاب الشفا تعتبر من أهم المصادر العلمية
والتي اعتمد عليها العرب بعده في القرون الوسطى ، وقد ترجم إلى اللاتينية
عام 1068م . وقد قال في ذلك مايرهوف ( نحن مدنون لابن سينا برسالته في
تكوين الجبال والأحجار والمعادن ...
فقد كتب عن تكون الحجارة :
( إن كثيراً من الأحجار يتكونمن الجوهر الغالب فيه الأرضية وكثير منها
يتكون من الجوهر الغالب عليه المائية فكثير من الطين يجف ويستحيل أولاً
شيئاً بين الحجر والطين ، وهو حجر رخو ثم يستحيل حجراً ، وأول الطينيات
ماكان لزجاً فإن لم يكن لزجاً فإنه يتفتت في أول الأمر فبل أن يتحجر )
وهذا الرأي ينطبق مع رأي علماء الجيولوجيا حالياً بأن بعض الصخور الرسوبية
تتكن من ترسبات المواد العالقة والدقيقة المحمولة بالماء مكونة ما يسمى
الطفال (Shale) وربما قصد ( بأولى الطينيات التي تتفتت) الترسبات الرملية
وصخورها الهشة ...
أما عن تكون الحجارة من النار فقد قال : ( قد تتكون أنواع من الحجارة من
النار ) وإن لمن الممكن أنه قصد بها الصخور النارية لذا فإن ابن سينا قد
بين أن بعض الصخور قد تتكون نتيجة للترسب من الماء وأخرى نتيجة لتأثير
النار . وبذا يكون قد سبق هتن في نظريته بأن الصخور ذات منشأين ناري ومائي
....
كما أنه كتب عن تكون الطبقات الرسوبية :
(ومن المحتمل أيضاً بأن اليابسة قد ارتفعت من البحر وبعد ذلك تصلبت
الأطيان اللزجة فمثلاً يمكن أن نشاهد كيف أن بعض الجبال وكأنها تتكون من
طبقات مختلفة ومن المحتمل أن يعود ذلك إلى الأطيان التي تكونت منها الجبال
قد تكونت من طبقات مختلفة ، وفي البداية تكونت طبقة واحدة وخلال الفترة
الزمنية التالية تكونت طبقة أخرى غطت الطبقة الأولى وفوق كل طبقة ترسبت
مواد مغايرة بطبيعتها عن الطبقة التي سبقتها وأصبحت هذه المادة وسط بين
هذه الطبقة والتي تليها ومن المحتمل أن الطبقة الوسطى بعد البدء بعملية
التحجر قد تشققت ... ) (عدنان عاكف ، 1975 )
ونلاحظ بأن الوصف أعلاه يمكن اعتباره الأساس العام لقانون تعاقب الطبقات (
Law of superposition of strata ) والذي طوره العالم الانجليزي وليم سميث
فأضاف إليه قانون تعاقب مجموعة الحيوانات ومجموعة النباتات ...
أما بعض آرائه عن تكون الجبال فقد قال فيها :
( والغالب أن تكونها من طين لزج جف على طول الزمان ،
تحجر على مدد لا تتضبط فيشبه أن تكون هذه المعمورة قد كانت في سالف الأيام
غير مغمورة في البحار فتحجرت إما بعد الانكشاف قليلاً قليلاً في مدد لاتفي
التاريخيات بحفظ أطرافها ، وإما تحت المياه لشدة الحرارة المحتقنة تحت
البحر ، والأولى أن يكون بعد الانكشاف ، وأن تكون طينتها تعينها على
التحجر ، إذ تكون طينتها لزجة ، ولهذا ما يوجد في كثير من الأحجار إذا
كسرت أجزاء الحيوانات المائية كالأصداف وغيرها ، ولا يبعد أن تكون القوة
المعدنية قد تكونت هناك فأعانت أيضاً ، وأن تكون المياه قد استحالت أيضاً
حجارة ، لكن الأولى أن يكون تكون الجبال على هذه الجملة ، وكثرة ما فيها
من الحجر لكثرة مايشتمل عليه البحر من الطين ثم ينكشف عنه )
وكما نلاحظ فقد أعطى للعامل الزمني أثره في تحول الصخور كما أنه أوضح بأن بعض الجبال قد تكونت نتيجة لترسب المواد من ماء البحر ...
كما أنه كتب عن الزلازل ، وآاراؤه لاتختلف في بعض أجزائها عن الآراء الحديثة فيها .
فقد بحث أبو الريحان البيروني في هيئة الأرض
فقاس محيط الأرض واستخرج حساب نصف قطر الأرض بمعادلة البيروني وكتب في
مواضيع علم الطبقات وعلم الحفريات ودرس المعادن ويعتبر كتابه ( الجماهر في
معرفة الجواهر ) من الكتب القيمة في هذا المجال ، وقد أوجد الوزن النوعي
بدقة لعدد من المعادن التي قيست أوزانها النوعية بعد تقدم الأجهزة العلمية
الحديثة ووجدت بأن نتائج بعضها مقاربة جداً وأحياناً مطابقة للقيم التي
أوجدها البيروني رغم تأخر الأجهزة العلمية في حينه ...
ويأتي بعد البيروني ، العالم التيفاشي ( شهاب الدين
أبو العباس أحمد بن يوسف التيفاشي المتوفي بالقاهرة عام 651هـ 1271م )
الذي نهج منهجاً علمياً في وصف المعادن والأحجار الكريمة في كتابه ( أزهار
الأفكار في جواهر الأحجار ) . فوصف كل معدن وحجر كريم بالنسبة لجيده
ورديئه ، خواصه ومنافعه ، قيمته وثمنه . ثم كيفية تكون الحجر من المعدن ...
ويأتي بعد التيفاشي ، ابن الأكفاني ( محمد بن إبراهيم
بن ساعد السنجاري المعروف بالأكفاني المتوفي بالقاهرة عام 749هـ 1369م )
الّي ألف كتاب ( نخب الذخائر في أحوال الجواهر ) وقدم فيه وصفاً لأربعة
عشر حجراً من الأحجار الكريمة والمعادن ...
وفي جميع هذه المؤلفت وغيرها من الدراسات التي لا يتسع المقام إلى حصرها
وصف العلماء العرب المعادن بالنسبة لخواصها البلورية وخواصها الطبيعية مثل
اللون والشفافية والمحك والوزن النوعي أو الثقل النوعي ...
كذلك عرفوا تشقق المعادن والصلادة والكسر وتكلموا عن البريق وانعكاس الضوء
. وأجروا بعض الاختبارات الكيميائية على المعادن والجواهر كمعالجتها
بالأحماض والخل ، وتسخين الأحجار بالنار .
وللعرب آراؤهم عن أصل وكيفية نشأة المعادن والأحجار في الطبيعة واهتموا أيضاً بلغة أسمائها واشتقاقها وتعريبها ...
قام العلماء العرب أيضاً بدراسة تضاريس سطح الأرض وكان الحكيم الكندي (
أبو يوسف يعقوب بن إسحاق بن الصباح الكندي من البصرة المتوفى عام 246هـ
أول من بحث في ظاهرة المد والجزر والعوامل الباطنية التي تؤثر في الأرض
...
وجاء المسعودي ( أبو الحسن علي بن الحسين نشأ في
بغداد المتوفى عام 346هـ ) ليضع كتابه ( مروج الذهب ومعادن الجوهر ) وتعرض
فيه لبعض المعلومات الجغرافية كاستدارة الأرض وإحاطتها بغلاف جوي وشرح
لظاهرة المد والجزر وطبيعة العواصف في الخليج العربي ودورة الماء في الكون
وجريان الأنهار وتراكم الأملاح في البحر ووصف المسعودي أيضاً البراكين
الكبريتية ...
وفي كتابه ( نزهة المشتاق في اختراق الآفاق ) تكلم
الإدريسي ( أبو عبد الله محمد الإدريسي ولد بالمغرب العربي وتوفي سنة
562هـ ) عن كروية الأرض كحقيقة ثابتة ...
أما ابن خلدون ( ولد في تونس سنة 732هـ وتوفي في القاهرة سنة 808
هـ ) فتحدث في مقدمته ( مقدمة ابن خلدون ) عن البحار والأنهار وذكر
الأقاليم الجغرافية السبعة . وناقش علاقة اليابسة بالماء وقال بأن مركز
ثقل الأرض موجود بباطنها ...
هذه بعض الأمثلة من عشرات بل المئات من الدراسات التي قام بها العلماء
العرب في مجال علم الجيولوجيا . وقد تناول الكثير منهم علوم البحار وعرضوا
لها من أوجه شتى ومن بين هؤلاء الكندي وابن الطيب والمسعودي وابن سينا
والبيروني والإدريسي وغيرهم كثير ...
وفي علم الكائنات القديمة ( الأحافير ) كتب الجاحظ ( المتوفي سنة 255هـ )
والقزويني ( التوفى عام 682هـ ) والنويري ( المتوفى سنة 732هـ ) والدميري
( المتوفى سنة 808 هـ ) وتكلم ابن سينا عن كيفية تكون الحفريات أيضاً ...
عني العرب أيضاً بعلم المساحة
والخرائط مثل تحديد خط نصف النهار وهو اتجاه الشمال - الجنوب ، وبذلك
عرفوا الاتجاهات الأصلية . وقاموا بقياس المسافات بين المدن وأطوال البحار
والبلاد والطرق وغيرها ، مستعملين وحدات مختلفة لقياس الأطوال كالذراع
السوداء ( تساوي 49.3 سم ) والميل العربي ( يساوي 4000 ذراع سوداء = 1972
متر )
كما تمكن العرب من قياس محيط الكرة الأرضية أيام المأمون ( 170 - 218هـ ) ...
وناقش البيروني في كتابه ( القانون المسعودي ) الذي
وضعه سنة 421هـ إيجاد الزاوية بين مسار الأرض حول الشمس ومستوى خط
الإستواء أي زاوية ميل محور الأرض على مدارها حول الشمس ...
كما قام العرب بتحضير عدد كبير من الخرائط التوضيحية مثل الخوارزمي والمقدسي والإدريسي وغيرهم ...
كما اهتم العرب بدراسة عمليات التعدين واستغلال
الخامات واهتموا بمعرفة أماكن وجودها في الطبيعة وكيفية استخراجها و
استغلالها . وكثيراً ما تعرض المؤلفون العرب للحديث عن المحاجر والمناجم
لاستغلال الذهب أو الزمرد أو غيرهما من الأحجار الكريمة وعرفوا بعض أماكن
تجمع القار أو البترول وعملوا خطة لاستغلاله ....
ففي رحلته التي ابتدأها ابن جبير سنة 578هـ تحدث عن القار أة البترول في
مكان يسمى ( بالقيارة ) بشمالي العراق وذكر النويري ( المتوفى سنة 732هـ )
في كتابه ( نهاية الأرب في فنون الأدب ) أن مصر بها من معادن : معدن
الزمرد - معدن النفط الشب - البرام ( نوع من الطين تصنع منه الأواني
الفخارية ) والزجاج ثم أضاف أنه قيل إن بها سائر المعادن ...