يعتبر العنف من أخطر الظواهر التي تسود المجتمعات، بمختلف أنواعها، سواء أكانت مجتمعات راقية أم متدنية، فما دام هناك أناس لا يردعهم رادع عن الرجوع عن غريزة الحيوان فيهم، فهذا كفيل بأن يظهر ميولهم نحو مصادرة حرية الآخرين أو إلغائها، وذلك بممارسة سلطة أو نوع من القوة تعلو على سلطة غيرهم، وهذه السلطة ـ بدون أي رتوش أو تنميق ـ هي "العنف".
وشُخِّصت هذه الظاهرة السيكولوجية من قبل علماء النفس بما يسمى "السادية". وهذا المصطلح جاء نسبة إلى "المركيز دي ساد فسميت ظاهرة الاعتداء بالعنف على الآخر "سادية". إن كان السؤال هنا "من أين يأتي دافع العنف هذا؟" على قدر من الأهمية، فالأهم من ذلك هو نوع العنف الموجه للأطفال
ففي "الرابع من يونيو" من كل عام، تحيي الأمم المتحدة اليوم العالمي للعنف ضد الأطفال، وهو اليوم الذي تم إقراره للتوعية بكافة أشكال الانتهاكات ضد الأطفال، سواء الانتهاكات الجسدية أو المعنوية. ويُعرَّف الطفل على النحو الوارد في المادة 1 من اتفاقية حقوق الطفل بأنه "كل إنسان لم يتجاوز الثامنة عشرة، ما لم يبلغ سن الرشد قبل ذلك بموجب القانون المنطبق عليه
وبالرغم من أن اتفاقية حقوق الطفل تنص على إلزام الحكومات التي صادقت عليها بحماية الطفل من كل أشكال العنف المادي والمعنوي، إلا أن ملايين الأطفال ما زالوا يعانون من هذا العنف والإيذاء بأنواعه المختلفة، وغالباً ما يتم التعتيم على هذه الظواهر، أو النظر إليها ـ إن خرجت للسطح ـ على أنها حوادث مؤسفة. وليست هناك إحصاءات واضحة في الوطن العربي بالذات، ولا تغطيات إعلامية مدروسة بخصوص العنف ضد الأطفال، وكل ما يذكر من حوادث هو عبارة عن تحقيقات صحافية هنا وهناك
يتعرض الأطفال في جميع مناطق العالم، في كل جانب تقريباً من جوانب حياتهم، للعنف المفرط، الذي يأتي في أغلب الأحيان من جانب الأفراد المسؤولين عن حمايتهم والحفاظ على سلامتهم. وأكدت الدراسات المعدة في هذا المجال أن العنف الذكوري هو من أوضح أنواع العنف، ويأتي غالباً من أشخاص "سيكوباتيين" أو ما يعرف بـ"الشخصيات المضادة للمجتمع"، ويعتمدون على التلويح بالقوة ـ بشكل أو بآخر ـ لإلحاق الأذى بالآخرين، وغالباً لا يحتاج السيكوباتي ـ سواء أكان أباً أم أخا أم من خارج الأسرة ـ لاستعمالها بشكل سافر، إذ يكفي التلويح بها، أو استعمالها مرة واحدة، ليصير الطفل المتضرر مثالاً يدفع الآخرين للخنوع
وقد تتعدد مصادر العنف ضد الأطفال؛ فهناك العنف الأسري، مثل سلطة الأب أو الأم أو الأخ الأكبر المطلقة، وهذا النوع شائع في كثير من المجتمعات، وهناك عنف المدارس؛ حيث يتعرض التلاميذ لأنواع متعددة من العقاب، خاصة في المرحلة الابتدائية. أما عنف الشارع، فينتشر في المجتمعات الأقل تحضراً والأكثر فقراً، ويغيب ـ في هذا النوع ـ الرقيب الأسري والمثل الأعلى؛ فيكون الأطفال هنا هدفاً سهلاً للإيذاء؛ بسبب الفقر والحاجة، وصغر سنهم، وجهلهم بحقوقهم، التي من المفترض أن يكفلها لهم المجتمع؛ فيلجؤون إلى احتراف الجريمة والإدمان وهناك نوع من العنف على أساس النوع، أو العنصر، أو العرق، أو الدين، أو الطبقة الاجتماعية، أو الفئة الاجتماعية التي ينتمون إليها، وهذه غالباً يصاحبها نوع من الاضطهاد، فتكون أقرب للعنف المعنوي منها للمادي
ليس هذا فقط ما يعانيه الأطفال في المجتمعات المختلفة؛ ففي حالات الصراع المسلح يتعرض الأطفال ـ بالآلاف ـ للقتل والتشويه والاغتصاب والتعذيب كل عام، ويتعرض مئات الآلاف من الأطفال ـ الذين يتم تجنيدهم ـ لمخاطر الإصابات والعاهات والوفاة أثناء القتال، بالإضافة إلى الانتهاك البدني والجنسي.
وما يعانيه الأطفال المشردون، يعانيه أيضاً المتسولون والأطفال الذين تضطرهم ظروفهم للعمل، فكثيراً ما يتعرض هؤلاء للضرب من رب العمل، وهم دائماً ما يشتغلون في أعمال هامشية تسلب طفولتهم وبراءتهم
تورث هذه الممارساتُ الأطفالَ المعرضين لها الكثير من العقد والحقد على المجتمع؛ فبالرغم من دأب كثير من المصلحين على محاولة رفع الظلم عن البراءة والطفولة، إلا أن الصعوبات في كثير من البلدان أكبر من الجهود الفردية، فتحتاج العملية لتظافر الجهود بين الدولة ومؤسسات المجتمع المدني من جهة، ومن الأسرة وأفراد المجتمع من جهة أخرى؛ وذلك حتى نعيد البسمة لفلذات أكبادنا، ولنبدأ هذا من المنزل، فلا نربي في نفوس أبنائنا القهر والإحساس بالظلم بالمعاملة القاسية