تبدو نهاية الشهر كابوساً مرعباً بالنسبة لبعض الأسر..عندما يتحسسون جيوبهم وأرصدتهم فيجدونها قاعاً صفصفاً.. ويكون الأمر أكثر إرعاباً إذا وقعوا في مأزق مادي فلم يجدوا سوى الديون ملجأً.. وبعد سنوات من العمل الجاد.. والتعب ..والتقاعد.. يجدون أنفسهم جلوساً على وسادة خالية من ريال واحد ينفقونه على راحة شيبتهم.. لا أرض.. لا بيت ملك .. ولا رصيد.. وربما ذخيرة من الأمراض المزمنة التي تحتاج إلى الراحة والعناية.. *** ميزانية الأسرة.. خطة قد تسير دون تخطيط.. وقد يتم تخطيطها.. وعلى كل حال فإنها تظل مستمرة التقلب والتحرك مهما كانت الظروف.. والأسر الناجحة هي تلك التي تسعى إلى تخطيط ميزانيتها واضعة نصب عينيها: الماضي المتمثل في الديون والأقساط، واللحظة الراهنة المتمثلة في الاحتياجات اليومية.. والمستقبل الذي قد يأتي متمثلاً في بيت ملك ومدخر.. مشكلات وحيرة: تحكي أم أحمد قصتها مع الميزانية فتقول: "نحن الآن في بداية حياتنا الزوجية.. ونتطلع إلى شراء مسكن يؤوينا.. ولذا فقد فكرنا في تنظيم الميزانية.. وأنا الآن في مرحلة التجربة.. هل سأتمكن من توفير شيء من المبلغ الذي أعطاني إياه زوجي.. لنستمر على هذه الطريقة في الأشهر القادمة أم لا؟ وفي الحقيقة..لا أدري.. كيف أخطط للميزانية.. كل ما أعرفه هو أنني أود توفير مبلغ من المال وحسب.".. وأم عبد الله تشاركها المشكلة قائلة: بي رغبة شديدة في اتباع خطة للميزانية .. فمنزلي يحتاج إلى ترميم وتعديل لبعض الأثاث فيه.. ولكن..تأتي المفاجآت الطارئة كالعزائم وهدايا الزفاف والنفاس ..وغيرها من المناسبات التي تستهلك مبالغ كبيرة بعض الشيء.. وتكمل أم أحمد معاناتها مع الميزانية : إن الحياة الأسرية تتعرض لضغط قوي من الالتزامات.. فضلاً عن الخسارة الفادحة التي تعرّض لها الكثير بسبب الأسهم، ولا حل أفضل من تنظيم الميزانية.. علها توفر شيئاً من الاستقرار النفسي لجميع أفراد الأسرة. وتذكر أم فهد مأساتها مع الميزانية: مشكلتي عظيمة جداً..فأنا مهووسة بالشراء.. حتى إن خزائن البيت امتلأت بالأدوات الجديدة التي لم نستخدمها بعد ..وأحياناً أحاول توفير مبلغ بسيط من راتبي.. وما أن أذهب في نزهة مع أبنائي حتى نقضي جميعاً على هذا المبلغ في بضع ساعات ..وتمر علي ّبعدها أوقات أكون فيها بأمس الحاجة إلى المال فلا أجده. وتختلف مشكلة ريم عن السابقات ولكنها تتفق معهم في ذات النتيجة: لا أحب أكل المطاعم ..ولكن يعتبر عشقاً عظيماً لزوجي وأبنائي ..وسواء كنا في المنزل أو خارجه فإنه لا يتصل إلا بالمطعم.. وإذا نبهته إلى التوفير يقول :لماذا نحرم أنفسنا من شيء نشتهيه؟ ولذلك ..ذهبت أموالنا كلها على أكل المطاعم. وترى الجوهرة أن هناك مأساة أخرى تهدد الميزانية لتجعلها خاوية على عروشها فتقول: تستهلكنا الديون..فإيجار المنزل.. وأقساط السيارة.. هي من أهم الأمور التي تثقل كاهلنا فتمنعنا من التوفير..أو حتى التنظيم. وأيضا أم موضي.. تذكر لنا مستنزفات أخرى للميزانية: الخادمة ..والسائق ... والملابس غالية الثمن ..باختصار عالم الرفاهية الذي نعشق الخوض فيه..من أهم الأمور التي دمرت وضعنا المادي.. البحث عن حل: تقول أم عبد الرحمن: لا بد من وضع الميزانية ..والتخطيط لها.. وأول طريقة لذلك هي إيقاف المصروفات التي لا داعي لها ..ووضع جدول نسجل فيه المصروفات.. والمدخرات. وترى أم أيمن طريقة أخرى للادخار: الجمعيات هي الحل ..فلا أفضل من أن يكون لدى الشخص التزام معين بالدفع في وقت معين وكذلك الحصالة التي لا يمكن فتحها إلا بالكسر.. تذكر أجنادين فكرة أخرى من أجل التوفير: أكتب ورقة بالاحتياجات الضرورية للمنزل ..وبين فترة وأخرى أحاول حذف ما لا أحتاج إليه.. وإذا ذهبت إلى السوق أحاول شراء ما هو مكتوب فقط ..دون التطرق إلى المغريات الأخرى .. وكانت هذه طريقة رائعة وفرت من خلالها مصروفات المنزل بشكل واضح. ولدى أم عبد الإله طريقة أخرى لحل أزمة المصروف: طريقتي مجربة ومضمونة..ففي كل يوم نتصدق بمبلغ من المال.. صغيراً كان أو كبيراً.. وأعطي أبنائي أيضاً مالاً ليتصدقوا به..وقد نمت هذه الطريقة مالنا بشكل واضح ..وأصبح حالتنا المادية جيدة جداً ولله الحمد .. بيت العمر والاتفاق الأسري: وتتحدث أم عهود عن طريقتها في شد الحزام وكيف أقنعت أبناءها بذلك فقالت: كنا قد بدأنا في بناء منزلنا..ولظروف مادية توقفنا عن ذلك.. إلا أننا مازلنا نمارس التبذير في كل شيء حتى فكرت في الأمر بجدية.. إلى متى ونحن على هذه الحال.. عندها طلبت من أبنائي أن نفكر معاً في حلمنا المشترك وهو إنهاء هذا البيت والعيش فيه بعيداً عن تعب الإيجار والتنقل من مكان لآخر.. وبالفعل ..تركنا أكل المطاعم واقتصرنا على أكل المنزل.. نحرص على أن يكون استخدام الهاتف والجوال للضرورة، وإن سألنا عن الأقارب فبدون إطالة وقيل وقال.. تركنا المستوصفات الخاصة، وصرنا نتعالج في المستشفيات الحكومية.. اشترينا الملابس ذات السعر المتواضع؛ لأننا في الغالب نحب التغيير بشكل دائم.. وبذلك استطعنا توفير (500)ريال من مصروفنا الشهري كبداية جيدة.. كيف أصمم ميزانية لأسرتي؟ بعد هذا كله..فمن الضروري على الأسرة أن تخطط لعمل ميزانية جادة لها.. كي تحقق أهدافها وتطلعاتها.. ويذكر الدكتور محمد الهذلول عضو هيئة التدريس بجامعة الملك سعود أنه: ينبغي على الأسرة مراعاة ما يلي عند إعداد الميزانية: 1) دخل الأسرة وإمكانياتها المادية.. 2) التزاماتها والتي تتمثل في: 1 -الديون.. 2 -الالتزامات الحالية.. 3 -الالتزامات المستقبلية. ووفق هذه الأمور يمكن للأسرة أن تبدأ التخطيط.. وفي هذه الخطة ..يتم تقسيم ما تود تحقيقه إلى خطتين: خطة قريبة المدى كشراء الأدوات المنزلية والأثاث والملابس.. وخطط بعيدة المدى كشراء سيارة أو بناء منزل..أو تزويج أحد من الأبناء... وإذا كان على الأسرة أي التزامات مادية للآخرين كالديون.. فعليها أن تخطط للتسديد وفق ما يناسبها.. فإما أن تنهي هذه الديون في أسرع وقت ممكن..أو تقوم بجدولتها لتسديدها على دفعات.. أقساط كل شهر.. وعند كتابة الأسرة لورقة الميزانية الأولى والتي تحتوي الإيرادات والمصروفات فلا يكفي أن يكون ذلك حبراً على ورق ..بل يجب أن يتحول إلى سلوك نافع ومجدٍ .. وفي الوقت ذاته..علينا أن نكون واقعيين ...فلا يمكن نشدان المثالية في ظل الاحتياجات المفاجئة خلال المناسبات الاجتماعية.. وفي الجانب الآخر..قد لا ننفق كثيراً في بند ثانٍ من بنود ورقة الميزانية ..وبذلك نكون قد حققنا توازناً بين ما تم توفيره ..وما تم إنفاقه.. ومن المهم أن تكون ملامح ما نود تحقيقه واضحة المعالم.. وطريقة سيرنا في اتجاه تحقيقها معقولة.. فإذا نجحت الميزانية في شهرها الأول ..فنقوم بإعادة الكرة في الشهر التالي مع تعديل ما يلزم حتى تأخذ الميزانية شكلها الثابت ومعادلتها المتناسقة الخاصة بتلك الأسرة..