الحمد لله رب العالمين أمر بالإحسان والتعاون على البر والتقوى، ونهى عن الإساءة والأذى.
وقد أخبر النبي أن إماطة الأذى عن الطريق من شعب الإيمان وأسباب دخول الجنان، وأنها من أنواع الصدقة والإحسان، وأن وضع الأذى في الطريق من أعظم الإساءة والعصيان ومن أسباب اللعنة والخذلان. عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله علية وسلم: { الإيمان بضع وستون - أو سبعون - شعبة، أعلاها لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان } [رواه مسلم والبخاري وغيرهما].
والأذى كل ما يؤذي المار كالحجر والشوكة والعظم والنحاسة والحديد والزجاج وغير ذلك. وإماطته: تنحيه وإزالته.
وعن أبي هريرة قال: قال النبي : { عُرضت علي أعمال أمتي حسنها وسيئها فوجدت في محاسن أعمالها الأذى يماط عن الطريق. ووجدت في مساوىء أعمالها النخامة تكون في المسجد لا تدفن } [رواه مسلم]. وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله : { كل سلامى من الناس عليه صدقة، كل يوم تطلع فيه شمس تعدل بين الاثنين صدقة، وتعين الرجل في دابته فتحمل عليها متاعه صدقة، والكلمة الطيبة صدقة، وبكل خطوة يمشيها إلى الصلاة صدقة، ويميط الأذى عن الطريق صدقة } [رواه البخاري ومسلم].
والسُلامى: هي العظام الدقيقة والمفاصل التي في جسم الإنسان. ومعنى الحديث: أن تركيب هذه العظام وسلامتها من أعظم نعم الله على عباده فيحتاج كل عظم منها إلى صدقة يتصدق ابن آدم عنه بها ليكون ذلك شكراً لهذه النعمة.
ومن أنواع هذه الصدقة: إزالة الأذى عن طرقات المسلمين. عن أبي هريرة عن النبي قال: { بينما رجل يمشي بطريق وجد غصن شوك فأخذه، فشكر الله له فغفر الله له } [رواه البخاري ومسلم]. وفي روايه لمسلم قال: { لقد رأيت رجلاً يتقلب في الجنة في شجرة قطعها من ظهر الطريق كانت تؤذي المسلمين }.
وكما جاء الترغيب في إزالة الأذى عن طرقات المسلمين من أجل سلامة المارة، فقد جاء الوعيد الشديد في حق من يلقي الأذى في الطرقات ويؤذي المارة ويعرقل السير في الطريق.
روى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله : { اتقوا اللاعنين الذي يتخلى في طريق الناس أو ظلهم }. ومعناه النهي عن قضاء الحاجة في الطريق الذي يسلكه الناس أو في الظل الذي يجلسون فيه، وأن من فعل ذلك فهو مستحق للعنة والعقوبة، لأنه يؤذي الناس بذلك وينجسهم أو يحرمهم المرور في الطريق والجلوس في الظل، وهم بحاجة إلى ذلك، فيدعون عليه باللعنة.
وقد تساهل كثير من الناس في هذا الأمر فصاروا لا يبالون بأذية الناس في طرقاتهم وأمكنة جلوسهم واستراحاتهم: يحفرون الحفر في الطريق، ويطرحون القمامة، ويلقون الأحجار والحديد وقطع الزجاج، ويرسلون المياه، ويقوفون السيارات في الطرقات - ولو كان في ذلك أذية الناس وسد الطريق وعرقلة السير وتعرض المارة للخطر. ونسوا أو تناسوا ما في ذلك من الوعيد والإثم.
ولا تجد من يحتسب الأجر فيزيل هذا الأذى أو يتسبب في إزالته بمراجعة المسئولين عن ذلك.
وإذا كان هناك ظل حول الطرق العامة الطويلة من شجر أو جسور يستريح تحتها المسافرون جاء من يفسد ذلك عليهم بوضع القاذورات والأوساخ فيها، أو التبول والتغوط، أو تفريغ زيت السيارة، أو ذبح الأغنام وترك الدم والفرث والعظام، ومخلفات الطعام أو غير ذلك مما يفسد الظل على من جاء بعده.
أين الإيمان؟ أين الشيمة والمروءة؟ أين خوف الله من هؤلاء المستهترين بحرمات المسلمين وحقوقهم ومرتفقاتهم؟ ماذا سيكون شعور المسلم إذا سد الطريق في وجهه، أو مُلىء بالأوساخ والوحل، أو ملىء بالأحجار وقطع الزجاج والعلب والكراتين الفارغة، أو عمقت فيه الحفر، أو دنس بالأنجاس والروائح الكريهة؟
وماذا سيكون شعور المسلم إذا أجهده السير في السفر ومسه حر الشمس والسموم فأوى إلى الظل ليستريح فيه، وعندما يصل إليه يجده مليئاً بالقاذورات والروائح الكريهة والمناظر البشعة؟ ماذا سيكون في نفسه من الغضب؟ وماذا سيقول بلسانه قي الحق من فعل ذلك من الدعاء عليه؟ وهو مستحق لذلك بقبيح فعله وإساءته إلى إخوانه المسلمين.
فاتقوا الله يا من تؤذون الناس في طرقاتهم وأمكنة استراحاتهم. كُفوا أذاكم واحترموا حق إخوانكم، واتقوا دعوات المظلومين فإنها ليس بينها وبين الله حجاب.
ومن أذية المسلمين في طرقاتهم ما يفعله بعض السفهاء من وقوفهم بالسيارات في وسط الشوارع بعضهم إلى بعض يتحدثون ويتمازحون، ويحزون الطريق على المارة ويعرضون الناس للخطر. وهذا منكر ظاهر يجب إنكاره وتأديب من فعله.
ومن ذلك ما يفعله بعضهم من ترويع الناس وإزعاجهم بالعبث بالسيارات، كما يسمونه بالتفحيط. وهو في الحقيقة مظهر من مظاهر السخف والتخلف العقلي والتخلف الحضاري وكفران النعمة. ومن ذلك البطش في قيادة السيارات والتهور في السرعة وإزعاج الناس بأصوات أبواق السيارات، خصوصاً عندما يسمعون بانتصار فريق رياضي على فريق آخر، حسب تعبيرهم.
ومن أذية المسلمين في طرقاتهم وتعريضهم للخطر أن يتولى قيادة السيارات من لا يحسنون القيادة أو لا يستطيعون السيطرة عليها لصغر أسنانهم من الأطفال فيعرضون أنفسهم ويعرضون غيرهم للخطر، فيجب على ولاة الأمور وعلى أولياء الصغار منعهم من قيادة السيارات إشفاقاً عليهم وعلى غيرهم من الخطر، ويجب التعاون مع ولاة الأمور في درء هذا الخطر عن المسلمين.
ومن أذية المسلمين الجلوس على الطرقات، لما في ذلك من الاطلاع على شؤونهم الخاصة التي لا يحبون الاطلاع عليها، ولما في ذلك من النظر إلى ما لا يجوز النظر إليه من النساء، وغير ذلك من المحاذير وأشدها عدم القيام بالواجب نحو المارة. عن أبي سعيد الخدري عن النبي قال: { إياكم والجلوس في الطرقات } فقالوا: يا رسول الله، ما لنا من مجالسنا بدٌ نتحدث فيها، فقال رسول الله : { فإذا أبيتم إلى المجلس فأعطوا الطريق حقه } قالوا: وما حق الطريق يا رسول الله؟ قال: { غَض البصر، وكف الأذى، ورد السلام، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر } [متفق عليه] فدل هذا الحديث على منع الجلوس في الطريق إلا لمن قام بحقها من هذه الأمور.
وأما من جلس للتفرج ولم يقم بما أرشد إليه من هذه الأمور فهو آثم ويجب على ولاة الأمور منعه من ذلك خصوصاً من يحصل منهم فعل المنكر.
ومن أذية المسلمين تحويل الشوارع إلى ملاعب للكرة، مما يتسبب في كثرة الصخب والتجمعات حولها، مما يؤذي المارة وأصحاب البيوت وربما يتسبب عنه أضرار كثيرة.
ومن أذية المسلمين في الطريق مخالفة بعض سائقي السيارات لأنظمة المرور وأصول القيادة، كالتهور في السرعة وعدم التزام خط السير وقطع إشارة الوقوف، أو الوقوف في الأمكنة التي منع الوقوف فيها، أو قيادة السيارة وهو في حالة لا يتمكن من ضبط القيادة كما ينبغي كمن يغالبه النعاس.
وجميع هذه الأحوال تعرض غيره للخطر فيجب تلافيها والحذر منها. فكم نجم عن هذه الأحوال من حوادث ذهبت فيها أنفس كثيرة محرمة، أو تعطلت فيها أعضاء وتعبت فيها أجسام، وتعطلت فيها حواس، وكل ذلك راجع إلى تفريط السائقين أو تهورهم أو جهلهم بأصول القيادة، أو تهاونهم بأرواح الناس.
إن مسئولية هذه الحوادث وما ينجم عنها من الأضرار - من الأموال والأنفس - يتحملها هؤلاء السائقون ومن يمكنهم من قيادة السيارات وهم لا يحسنونها؛ فإن السيارات بمثابة الأسلحة الفتاكة لا يجوز أن يتولاها إلا من يحسن استعمالها والتصرف فيها، ويجب الحذر من التلاعب بها والتساهل في شأنها.
فاتقوا الله عباد الله في أنفسكم وفي إخوانكم، واحترموا حقوق المسلمين، واجتنبوا أذيتهم والإضرار بهم.
وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.