ما جاء في العلاج بالعسل
قال الله تعالى : يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ . (النحل:69) .
قال ابن كثير في تفسيره : ما بين أبيض وأصفر وأحمر وغير ذلك من الألوان الحسنة على اختلاف مراعيها ومأكلها منها ، وقوله :"فيه شفاء للناس" أي في العسل شفاء للناس ، أي من أدواء تعرض لهم قال بعض من تكلم على الطب النبوي لو قال فيه الشفاء للناس لكان دواء لكل داء ولكن قال فيه شفاء للناس أي يصلح لكل أحد من أدواء باردة فإنه حار والشيء يداوى بضده . اهـ . تفسير ابن كثير (2/276) .
عن أبي سعيد الخدري ، أن رجلاً أتى النبي فقال : إن أخي يشتكي بطنه : وفي رواية : استطلق بطنه ، فقال "اسقه عسلاً" ، فذهب ثم رجع ، فقال: قد سقيته ، فلم يغن عنه شيئاً . وفي لفظ : فلم يزده إلا استطلاقاً مرتين أو ثلاثاً ، كل ذلك يقول له : "اسقه عسلاً"، فقال له في الثالثة أو الرابعة: "صدق الله وكذب بطن أخيك".
أخرجه البخاري في الطب ( 10/119) ، باب الدواء بالعسل ، وقول الله تعالى : "فيه شفاء للناس" ، وأخرجه مسلم في السلام برقم ( 2217) ، باب التداوي بالعسل .
وفي "صحيح مسلم" في لفظ له : "إن أخي عرب بطنه" ، أي فسد هضمه ، واعتلت معدته ، والاسم العرب بفتح الراء ، والذرب أيضاً .
قال ابن كثير : قال بعض العلماء بالطب كان هذا الرجل عنده فضلات فلما سقاه عسلا وهو حار تحللت فأسرعت في الاندفاع فزاده إسهالا فاعتقد الأعرابي أن هذا يضره وهو مصلحة لأخيه ثم سقاه فازداد التحليل والدفع ثم سقاه فكذلك فلما اندفعت الفضلات الفاسدة المضرة بالبدن استمسك بطنه وصلح مزاجه واندفعت الأسقام والآلام ببركة إشارته عليه من ربه أفضل الصلاة والسلام ، وفي الصحيحين البخاري رقم (5614) ، ومسلم برقم (1474) من حديث هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة رضي الله عنها "أن رسول الله كان يعجبه الحلواء والعسل" . هذا لفظ البخاري.اهـ. تفسير ابن كثير (2/276) .
عن جابر مرفوعاً : "إن كان في شيءٍ من أدويتكم خير ، ففي شَرطةِ محجمٍ ، أو شربةٍ من عسلٍ ، أو لذعةٍ بنارٍ ، وما أُحبُّ أن أكتوي" .
أخرجه البخاري (10/114-115و126) ، و (7/21-22) ، ومسلم برقم (2205) .
قوله : "شرطة محجم" فالمراد بالمحجم هنا الحديدة التي يشرط بها موضع الحجامة ليخرج الدم . شرح مسلم .
لَذْعَةٌ بنار : يعني الكيّ ، واللَّذع الخفيف من الإحراق.ومنه لَذَعة بلسانه ، وهو أذًى يسير. الفائق (3/314).
قال ابن قيم الجوزية رحمه الله تعالى :
والعسل فيه منافع عظيمة ، فإنه جلاء للأوساخ التي في العروق والأمعاء وغيرها ، محلل للرطوبات أكلا وطلاء ، نافع للمشايخ وأصحاب البلغم ومن كان مزاجه باردا رطبا ، وهو مغذ ملين للطبيعة ، حافظ لقوى المعاجين ولما استودع فيه مذهب لكيفيات الأدوية الكريهة ، منق للكبد والصدر ، مدر للبول موافق للسعال الكائن عن البلغم ، وإذا شرب حارا بدهن الورد نفع من نهش الهوام وشرب الأفيون ، وإن شرب وحده ممزوجا بماء نفع من عضه الكلب واكل الفطر القتال ، وإذا جعل فيه اللحم الطري حفظ طراوته ثلاث أشهر ، وكذلك إن جعل فيه القثاء والخيار والقرع والباذنجان ، ويحفظ كثيرا من الفاكهة ستة أشهر ، ويحفظ جثة الموتى ويسمى الحافظ الأمين ، وإذا لطخ به البدن المقمل والشعر قتل قمله وصئبانه وطول الشعر وحسنه ونعمه ، وإن اكتحل به جلا ظلمة البصر ، وإن استن به بيض الأسنان وصقلها وحفظ صحتها وصحة اللثة ، ويفتح أفواه العروق ويدر الطمث ، ولعقه على الريق يذهب البلغم ويغسل خمل المعدة ويدفع الفضلات عنها ويسخنها تسخينا معتدلا ويفتح سددها ويفعل ذلك بالكبد والكلى والمثانة ، وهو أقل ضررا لسدد الكبد والطحال من كل حلو وهو مع هذا كله مأمون الغائلة قليل المضار مضر بالعرض للصفراويين ودفعها بالخل ونحوه فيعود حينئذ نافعا له جدا ، وهو غذاء مع الأغذية ودواء مع الأدوية وشراب مع الأشربة وحلو مع الحلوى وطلاء مع الأطلية ومفرح مع المفرحات ، فما خلق لنا شيء في معناه أفضل منه ولا مثله ولا قريبا منه ، ولم يكن معول القدماء إلا عليه وأكثر كتب القدماء لا ذكر فيها للسكر البتة ولا يعرفونه فإنه حديث العهد حدث قريبا ، وكان النبي يشربه بالماء على الريق وفي ذلك سر بديع في حفظ الصحة لا يدركه إلا الفطن الفاضل .
ثم قال رحمه الله تعالى : إذا عرف هذا فهذا الذي وصف له النبي العسل كان استطلاق بطنه عن تخمة أصابته عن امتلاء فأمره بشرب العسل لدفع الفضول المجتمعة في نواحي المعدة والأمعاء ، فإن العسل فيه جلاء ودفع للفضول وكان قد أصاب المعدة أخلاط لزجة تمنع استقرار الغذاء فيها للزوجتها فإن المعدة لها خمل كخمل القطيفة فإذا علقت بها الأخلاط اللزجة أفسدتها وأفسدت الغذاء فدواؤها بما يجلوها من تلك الأخلاط والعسل جلاء ، والعسل من أحسن ما عولج به هذا الداء لا سيما إن مزج بالماء الحار، وفي تكرار سقيه العسل معنى طبي بديع وهو أن الدواء يجب أن يكون له مقدار وكمية بحسب حال الداء إن قصر عنه لم يزله بالكلية وإن جاوزه أوهى القوى فأحدث ضررا آخر فلما أمره أن يسقيه العسل سقاه مقدارا لا يفي بمقاومة الداء ولا يبلغ الغرض فلما أخبره علم أن الذي سقاه لا يبلغ مقدار الحاجة فلما تكرر ترداده إلى النبي أكد عليه المعاودة ليصل إلى المقدار المقاوم للداء فلما تكرر الشربات بحسب مادة الداء برأ بإذن الله ، واعتبار مقادير الأدوية وكيفياتها ومقدار قوة المرض والمريض من أكبر قواعد الطب وفي قوله : "صدق الله وكذب بطن أخيك" إشارة إلى تحقيق نفع هذا الدواء وأن بقاء الداء ليس لقصور الدواء في نفسه ولكن لكذب البطن وكثرة المادة الفاسدة فيه فأمره بتكرار الدواء لكثرة المادة ، وليس طبه كطب الأطباء فإن طب النبي متيقن قطعي إلهي صادر عن الوحي ومشكاة النبوة وكمال العقل ، وطب غيره أكثره حدس وظنون وتجارب ولا ينكر عدم انتفاع كثير من المرضى . اهـ . زاد المعاد (4/34ـ35) .
وقال الدكتور محمد علي الحاج في كتابه "غذاؤك حياتك" :
والعسل : مفيد جداً للمصابين بأمراض القلب ، وأمراض الكبد وخاصة في اليرقان ، كما أن العسل يفيد في تضميد الجروح إذ يساعد على سرعة التئامها .
والعسل: يساعد على تثبيت الكلسيوم في العظام بما يحتويه من فتامين (C ) ولذلك فهو ضروري للرضع والأطفال الآخذين في النمو إذ يساعد عظامهم على التصلب ويسهل بزوغ الأسنان ويقويها ويثبتها ويبعد عنها التنخر والتسوس كما أن يقي الأطفال شر الكساح وتقوس الساقين .
ولما كانت أنسجة الطفل عند ولادته تحتوي على كمية من الحديد تكفيه ثلاثة أشهر فقط . ولما كان لبن الأم فقيراً جداً بالحديد ، فإن إعطاء الرضيع ملعقة عسل يومياً اعتباراً من الشهر الرابع تفيده كثيراً إذ تقيه فقر الدم والكساح .
وقال الدكتور محمد علي الحاج : الحالات المرضية التي يعطى فيها العسل .
أهم هذه الحالات هي :
1ـ الضعف العام والانحطاط الجسماني .
2ـ الإمساك .
3ـ زيادة نسبة البولينا في الدم .
4ـ النحافة .
5ـ فقر الدم .
6ـ الضعف الجنسي (التناسلي) .
7ـ أدوار النقاهة وخاصة بعد الحميات .
ثم قال : والعسل يفيد في تنظيم حركة التنفس ، كما أنه يفيد كثيراً في حالات السعال والتهاب اللوزتين والتهابات الحنجرة والقصبات .
وللعسل فائدة كبيرة في تليين الأمعاء وخاصة إذا أخذ على الريق . اهـ . "غذاؤك حياتك" . (ص131،133) .
عن أم المنذر بنت قيس الأنصاري قالت : دخل عليّ رسول الله ومعه علي ، وعلي ناقه ، ولنا دوالي معلقة ، فقام رسوا الله ليأكل ، فطفق رسول الله يقول لعلي: "مه ؛ إنك ناقه"حتى كف علي . قالت: وصنعت شعيراً وسلقاً، فجئت به ، فقال رسول الله : "يا علي أصب من هذا فهو أنفع لك".
قال الألباني رحمه الله تعالى : أخرجه ابن ماجة (3442) ، والترمذي (2038) ، وأبو داود(3856) ، وأحمد(6/364) ، وسنده حسن . "الصحيحة" رقم : ( 59) .
ناقه : أي حديث عهد بالإفاقة من المرض .
دوالي : جمع دالية ، وهي العذق من التمر يعلق حتى إذا أرطب أكل .
قال ابن قيم الجوزية رحمه الله تعالى : واعلم أن في منع النبي لعلي من الأكل من الدوالي وهو ناقه ، أحسن التدبير ، فإن الدوالي : أقناء من الرطب تعلق في البيت للأكل بمنـزلة عناقيد العنب ، والفاكهة تضر بالناقه لسرعة استحالتها ، وضعف الطبيعة عن دفعها ، فإنه بعد لم تتمكن قوتها ، وهي مشغولةٌ بدفع آثار العلة وإزالتها من البدن ، وفي الرطب خاصة نوع من ثقل على المعدة ، فتشتعل بمعالجته وإصلاحه عما هي بصدده من إزالة بقية المرض وآثاره،فأما أن تقف تلك البقية ، وإما أن تتزايد ، فلما وضع بين يديه وأما السلق والشعير فنافعٌ له ويوافق لمن في معدته ضعف . وفي ماء الشعير تبريدٌ وتغذيةٌ
وتلطيف وتليين وتقوية الطبيعية أمره أن يصيب منه ، فإنه من أنفع الأغذية للناقه ، لا سيما مع أصول السلق ، فهذا من أوفق الغذاء لمن في معدته ضعف ، ولا يتولد عنه من الأخلاط ما يخاف منه . اهـ . زاد المعاد (3/97) ، والآداب الشرعية (2/343) .
وقد أصدر مركز الصديق للعسل في صنعاء اليمن رسالة حول علاجات العسل فأحببت أن أضعها للفائدة .