إن المتمعن والمتفحص أخبار الأمم الغابرة، والمتفرس في التاريخ الناصع لصدر الإسلام ومابعده ممن حملوا لواء الإسلام ورايات الفتوحات، لوجد قــــــطعا يقينا أن مـــــن وراء كل ذلك من وحدة وقوة وانتصارات متتالية وعلم وأدب، قوة دافعة ومحركة تمثل المركز والمرجع والقدوة… والقيادة.
… ولكن ماذا لو ألقينا مناظيرنا، وتمعنا حوالينا… لكبرت على أعيننا صورة مجتمعنا مباشرة ،واختلط الحابل بالنابل، والخارج بالداخل، والحازم بالمخل، ولأبصرت تناثر أشلاء ضحايا الضياع في كل مكان.
… لو دنوت إلى أحد منهم وسألته: في أي واد أنت ؟ وما هي وجهتك ؟… لرد همسا لكن بتردد: أنا في بحر !!! وجهتي تكون حسب اتجاه التيار، إن كان شرقيا فأنا شرقي، و إن كان غربيا فأنا غربي بالتبع!!! لا شاطئ لي، تتلاطمني الأمواج من حين لآخر، لا زاد لي سوى أسماك أتغذى بها دون انتظار العشاء، و إني أتجرع ملوحة الماء عساي أطفئ نار العطش الذي ما لبث يفارقني، ولا ظل لي سوى شراعي البالي الرث، الذي أترقب من حين لآخر ساعة تقطعه، فيستحيل بعدها المخيط، فأمسي طوع الأمواج، ومآلي حينها طعم وفريسة واستسلام لوحوش البحر …
… فبعد هذا لو سألنا كل واحد منا، هل ألفيت يوما قدوة أو رمزا تحتذي به، و ترى فيه الصلاح؟ فماذا سيكون الجواب؟ قد يقول نعم عندي قدوتي… ألا تعرف، ما بك… إنه الحبيب المصطفى محمد صلى الله عليه وسلم قدوتنا المثلى !!!
ولكن إذا سألناه: عن طريق من تقتدي بالرسول؟ عن طريق "فلان" أو "تنظيم" أو "فكر" أو…
… لكن سرعان ما يلفها الضباب فتغيب عن ناظريه صورة قدوته…
فأين قدوتنا؟ ومن نرى فيه القدوة؟ و كيف الاقتداء؟ … و هل تلزمنا قدوة…!!!!