السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
إبراهيم عليه السلام يعلم الناس الضيافة:
لقد ضرب إبراهيم الخليل -عليه
السلام- المثل العظيم في إكرام الضيف؛ فإنه جاءه ضيوف من
الملائكة كما قال –تعالى-: ((هل أتاك حديث ضيف إبراهيم المكرمين إذا دخلوا عليه فقالوا سلاماً قال سلام قوم منكرون فراغ إلى أهله فجاء بعجل سمين فقربه إليهم قال ألا تأكلون
فأوجس منهم خيفة
قالوا لا تخف وبشروه بغلام عليم)).
آداب الضيافة كما في قصة
إبراهيم مع ضيوفه:
هذه الآيات اشتملت على آداب الضيافة من قبل إبراهيم الخليل - عليه السلام - فتعالوا
بنا ننهي هذا
الموضوع باستعراض بعض الفوائد في الضيافة التي حصلت من إبراهيم الخليل - عليه السلام -:
أولاً: أنه قرب
الطعام إليهم: ولم يأمرهم بالقيام إلى الطعام, وهذا واضح من قوله: ((فقربه إليهم)) حتى يكفيهم مؤنة الإتيان إلى الطعام، فمن
التكريم أن تأتي بالطعام إلى الضيف، لكن مع كثرة الأطعمة التي
نضعها اليوم يمكن أن الواحد يمكث نصف ساعة وهو ينقل الأطعمة إلى الضيف، ولذلك لو أنه جهز السفرة
ثم قربهم إليها فلا بأس بذلك.
ثانياً:السرعة في
الإتيان بالطعام: من أين أخذناه؟ من حرف الفاء ((فجاء بعجل
سمين)) وليس: ثم جاء، فإن الفاء تدل على الترتيب والتعقيب، أي المباشرة والسرعة.
ثالثاً: إحضار الطعام بدون إعلامهم لئلا يحرجوا،
وبعض الناس يقول: هل تريدون غداءً؟ لو كان صادقاً لأتى بالغداء قبل أن يخبرهم، وأما إبراهيم الخليل
فإن الله قال عنه في الآية: ((فراغ إلى أهله)) وراغَ: ذهب خفية لئلا يحرجهم، فما أحسوا به لما ذهب، بل
انسل خفية وأتاهم بالطعام.
رابعاً: اختيار أحسن الطعام: ((فجاء
بعجل سمين))، وفي الآية الأخرى ((فجاء بعجل حنيذ)) والحنيذ ما هو؟ إنه المشوي على الحجارة
المحماة، وهو ألذ الطعام وأصحه، فالمشوي على الحجارة المحماة من أحسن اللحم فاسأل به خبيراً، والمقصود
أنك إذا سألت الذين يشوون على الحجارة لقالوا إن ذلك اللحم لذيذ جداً، ويقال أن طعام الكبراء من هذا
النوع؛ لأن فيه
صحة ولذة، ونضجاً على الحجارة.
خامساً: أسلوب العرض الجميل: فلما قربه إليهم ولم يمدوا أيديهم
قال: ((ألا تأكلون)) أسلوب عالٍٍ في غاية اللطف!.
سادساً: حسن الاستقبال: من أين
يؤخذ؟ يؤخذ من أن إبراهيم كان بابه مفتوحاً ((إذ دخلوا عليه)) والكريم دائماً بابه مفتوح.
سابعاً: أنهم لما قالوا له: ((سلاماً قال سلام)). فسلاماً هذه جملة فعلية، وسلامٌ جملة اسمية، لأنَّ
سلاماً مفعول مطلق لفعل محذوف تقديره فسلموا سلاماً، وسلام
مبتدأ، أو خبر ((سلام قوم منكرون)) فهي جملة اسمية، والجملة الاسمية تفيد استقرار المعنى وثباته
أكثر مما تفيده
الجملة الفعلية، ولهذا قال –تعالى-: ((وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها)).
ثامناً: قوله: ((منكرون)) أي الضيوف الذين لا أعرفهم،
فهو يرحب بمن يعرف وبمن لا يعرف، هذا من كرمه - عليه السلام – فهو يكرم الجميع وجاء بعجل حنيذ
لناس لا يعرفهم.
تاسعاً: الإنسان يراقب أحوال الضيف حتى يعينه على المقصود، قال –تعالى-: ((فلما رأى أيديهم لاتصل إليه نكرهم وأوجس منهم خيفة))، وفي
الآية الأخرى
((ألا تأكلون)) فالإنسان يراعي أحوال الضيف، وماذا يريد وما ينقصه، وبعض الناس يضعون السفرة ويمشون،
ولا يدرون ماذا يحتاج الضيوف! فتفقد أحوال الضيوف على المائدة من إكرامهم.
عاشراً: المبالغة في الإكرام: فهو ذبح
لهم عجلاً, ولم يذبح لهم ثوراً ,أو جاموساً, كبيراً قد قسي لحمه واشتد عظمه، فالعجل الذي هو
صغار البقر لحمه طري.
الحادي عشر: من إكرام الضيف أن يتكلم معه
ويحدثه، ليحصل الاستئناس، ولذلك رخص النبي - صلى الله عليه وسلم-
في السمر للمصلي والمسافر، والذي
عنده ضيف فلا بأس أن يسمر معه في الليل، وإلا فإن الأصل أن بعد
العشاء نوم