وردت صفة اليد مضافة لله في عشر آيات من القرآن الكريم، الأولى في المائدة (64) في قوله تعالى:{ بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء } فأثبتت هذه الآية صفة اليدين لله تعالى، ووصفتهما بالبسط دلالة على سعة الكرم والعطاء .
وتأويل من أوّل الآية على أن المراد منها النعمة أو القوة أو الملك غير صحيح، فإن المثنى لا يقوم مقام الجمع، وذلك أنّ العرب قد تخرج الجمع بلفظ الواحد لأداء الواحد عن جميع جنسه، ولكنها لا تخرج الجمع بلفظ المثنى، وكلا من النعمة والقوة والملك لا يمكن تثنيتها، فلا يقال نعمتاه فنعمه كثيرة، أو ملكاه فملكه واسع لا ينحصر، أو قوتاه فقوته عامة فالله على كل شيء قدير.
والآية الثانية في سورة ص (75) وهي قوله تعالى:{ يا إبليس ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي }، وهذه الآية تدل على تكريم الله لآدم - عليه السلام - حيث خصه بأن خلقه بيده، في حين خلق سائر الخلق بقوله:{ كن }، وتخصيص "اليد" بذكرها في خلق آدم يدل على فساد من ذهب إلى أن معنى اليد القدرة أو النعمة، إذ الكل مخلوق بقدرة الله ونعمته، فلا مزية لآدم – وفق تفسيرهم - في هذا التخصيص .
والآية الثالثة في سورة يس (71) وهي قوله تعالى:{ أو لم يروا أنا خلقنا لهم مما عملت أيدينا أنعاماً }، ولا تعلق لهذه الآية بصفة اليد، وإنما المراد منها أن الله خلق الأنعام بنفسه، وإضافة العمل إلى اليد والمراد صاحبها معروف في لغة العرب التي نزل بها القرآن، قال تعالى: { وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم } فأضاف كسب الإنسان إلى يده، ومن كسبه ما يكون صادراً عن غير يده كقوله ومشيه، وعليه فالمراد من هذه الآية نسبة الخلق إليه، وتذكير العباد بنعمه وآلائه، ومنها خلق الأنعام، ليشكروه ويطيعوا أمره .
والآية الخامسة في سورة الزمر (67) وهي قوله تعالى: { والسموات مطويات بيمينه }، وهذا إثبات لليمين، وهي صفة ليديه سبحانه، ويدل على هذا التفسير ما ورد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ( يقبض الله عز وجل الأرض يوم القيامة ويطوي السموات بيمينه، ثم يقول: أنا الملك، أين ملوك الأرض ؟ ) رواه البخاري ومسلم .
وأما كون اليمين صفة ليديه سبحانه، فلما رواه عبد الله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما - : قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-: ( إن المقسطين عند الله على منابر من نور عن يمين الرحمن – وكلتا يديه يمين – الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما ولُوا ) أخرجه مسلم .
والآية السادسة في سورة الحاقة (44-45) وهي قوله تعالى: { ولو تقول علينا بعض الأقاويل لأخذنا منه باليمين } وفي تفسير الآية قولان:
قول ينسب اليمين لله، ويجعل معناها القوة والقدرة، يقول الطبري: " يقول: لأخذنا منه بالقوة منا والقدرة، ثم لقطعنا منه نياط القلب، وإنما يعني بذلك أنه كان يعاجله بالعقوبة، ولا يؤخره بها "
وقول يقول: إن معنى الآية: لأخذنا بيده اليمنى؛ ثم نقطع منه بعد ذلك الوتين، والأخذ في الآية لمعنى الإهانة والإذلال .
وليس في أحد القولين تأويل بمعناه الاصطلاحي أي: إخراج النص عن ظاهره، إذ كلا القولين في تفسير الآية محتمل من غير مرجح لأحدهما، فيمكن أن يكون المعنى لأخذنا بيمينه أي بيمين العبد، ويمكن أن يقال لأخذنا منه باليمين، أي: بأيماننا، وعلى التفسير الثاني، يمكن أن يقال أن المراد بأيماننا أي: بأيدينا، ويمكن أن يكون المعنى مجازياً بمعنى القوة والقدرة، وهذه الآراء ذكرها الطبري شيخ المفسرين في تفسيره نقلاً عن السلف الصالح، فهي آراء سائغة في تفسير الآية، والقول بأن هذه التفاسير تأويل للنص غير صحيح، فإن دلالة النص غير قطعية ولا ظاهرة في معنى خاص، وإنما النص بذاته محتمل، فالقول بأحد القولين السابقين في تفسير الآية ليس تأويلاً بالمعنى الإصطلاحي، وإنما هو من خلاف التنوع في التفسير
والآية السابعة في سورة الفتح (
وهي قوله تعالى: { يد الله فوق أيديهم } وفي تفسير هذه الآية قولان: أحدهما: يد الله فوق أيديهم عند البيعة، لأنهم كانوا يبايعون الله ببيعتهم نبيه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم; والقول الآخر: أن قوّة الله فوق قوّتهم في نصرة رسوله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم -، لأنهم إنما بايعوا رسول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم - على نُصرته على العدو، فهو تأكيد للبيعة بأن الله مؤيد لمن بايع النبي - صلى الله عليه وسلم - ومناصر له، فكما أن من أطاع الرسول فقد أطاع الله، فكذلك من بايع الرسول فقد بايع الله .
ولا يقال أن تفسير من فسّر من السلف هذه الآية بالقوة أو القدرة هو من التأويل الذي أنكره السلف الصالح، وبينوا فساد منهج سالكه، ذلك أن السلف أثبتوا صفة اليد لله تعالى بالأدلة الصريحة في ذلك، وأما الأدلة المحتملة كهذه الآية وسابقتها فهما مما اختلفت فيهما الأنظار، فمن قال أن المراد بهما القوة أو القدرة لا يعني هذا أنه ينفي صفة اليد عن الله، وإنما يقول أن هاتين الآيتين لا تدلان على هذه الصفة، فالخلاف في الاستدلال، لا في الإيمان بهذه الصفة وإثباتها، فليس كل نص ورد فيه نسبة اليدين لله قلنا أن المراد به "الصفة" وإنما المعتمد في ذلك مراعاة السياق والنظر في الأدلة التي تحدد المعنى وتبينه .
والآية الثامنة في الحديد (29) وهي قوله تعالى: { وأن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء } أي أن الفضل ملك لله يؤتيه من يشاء من عباده .
هذه هي أغلب الآيات التي وردت فيها نسبة اليد لله تعالى، وهي كما ترى على أقسام منها آيات صريحة في الدلالة على الصفة، وآيات غير صريحة، وغير الصريحة لا تنفي الصريحة، وكذلك العكس، فعلى المسلم أن يسلّم لله بهذه الصفة، فهو سبحانه أعلم بنفسه حيث نسب هذه الصفة لنفسه، ولا يتجاوز المسلم ما أثبته الله لنفسه، فيؤول أو يكيّف أو يعطّل، فكل ذلك على خلاف ما أراد الله، وعلى خلاف ما سار عليه السلف الصالح من الصحابة والتابعين ومن تبعهم على هديهم، في إثبات صفات الله التي أخبر بها عن نفسه، أو أخبر بها رسوله .
ومن الجدير بالتنبيه أن نقول: إن المسلم عند إثباته صفة اليد لله وغيرها يجب عليه تجنب كل سبيل لتخيل هذه الصفة أو تلك، فالله ليس كمثله شيء، وصفاته ليست كصفات المخلوقين.
ومهما حاول الإنسان أن يتخيل صورة صفة، فسيقع لا محالة في التشبيه، فإن مخيلة الإنسان تعجز عجزاً مطلقاً أن تتخيل شكلاً أو هيئة لم تحسها، فبالتالي كل ما يتخيله العقل البشري عن صفات الله هو محض تشبيه، يجب على المسلم نفيه، فكل ما خطر ببال الإنسان فالله على خلاف ذلك، { ليس كمثله شيء وهو السميع البصير }( الشورى: 11 ) .