دخل أحدنا السوق فيحتاج إلى الطعام أو الشراب أو يظل يبحث عن مطعم
نظيف وطعام طازج نظيف، وعن شراب نظيف.. وإذا طلب من صاحب المطعم أو بائع المرطبات قدحاً من
عصير الفواكه أو كأساً من المرطبات.. وفي حال تناوله إذا وجد فيه قذارة، أو وجد اللحم أو الخبز متعفناً
فإنّه يرد الطعام والشراب، ويرفض تناوله.. لشعوره بالخطر على صحّته من تعفن الطعام وقذارة الشراب..
وقد يصاب شخص بمرض ضغط الدم أو السكر فيمنعه الأطباء من تناول ملح الطعام أو السكريات، أو
المواد الغذائية التي تنتج السكر بشكل يؤثر على نسبته في الدم.. وإذاً فهناك أطعمة وأغذية وأشياء
كثيرة نُحرِّمها على أنفسنا، فلا نتناولها بعد أن أصبح في تناولها خطراً وضرراً على الصحّة..
وحين نسير في المدينة إشارات المرور، الإشارات الضوئية، إشارات تحديد السرعة وغيرها لتنظيم السير فنحترمها، ونمتنع عن مخالفتها، ذلك لأنّ في مخالفتها خطراً على حياتنا وحياة الآخرين وسلامتهم..
وإذاً فهناك دائرة الممنوع (المحرم) الذي يسبب فعله خطراً على صحّة الإنسان وحياته فيمتنع الإنسان
بدافع ذاتي عن فعله.. والإنسان يشعر بالحاجة إلى التعلّم وطلب العلم وإلى العمل، ويحرص على فعل
ذلك، ولا يسمح لنفسه بتركه، أو التساهل فيه؛ لأنّ تركه يضرّ بمصلحته، ويسبِّب له التأخّر والفقر
والحاجة.. وقد نشاهد طفلاً يحاول وبسرعة عبور الشارع، وفي غفلة من سائقي السيارات، فنسارع
لإنقاذه من خطر الموت..
وقد تشاهد أخاك الأصغر يرافق بعض الصبيان في المحلّة، وأنت تعرف انّهم سيسلكون سلوكاً سيِّئاً،
فتمنع أخاك من مصاحبتهم، انّك تشعر أن كل تلك الأعمال هي من الواجبات التي يجب أن تقوم بها..
وحين تنظر إلى والدتك وهي مريضة عاجزة عن أداء الأعمال أو قضاء حوائجها بنفسها تشعر بوجوب
القيام بخدمتها ومساعدتها فيما تريد.. فإنّك تشعر أن فضلها وإحسانها يوجب عليك شكرها، وردّ الإحسان
الجميل والمعروف إليها.. وقد تشعر يوماً بالتعب فتفكر بالإستراحة بالذهاب إلى الحديقة، أو زيارة صديق،
أو الجلوس أمام التلفزيون لمشاهدة فيلم رياضي، فمن حقّك أن تختار أي تلك الوسائل وهذا النمط من
الأفعال هو الذي نسمّيه المباح، فللإنسان أن يفعله أو يتركه.. وهكذا يتّضح أنّ هناك ممنوعات أو
محرمات ليس للإنسان حرِّية في فعلها، وأنّ هناك واجبات ليس للإنسان حرِّية في تركها.. وأنّ هناك
مباحاً فالإنسان حر في فعله..
وإذاً فدائرة الحرِّية هي دائرة المباح.
أمّا الحرام والواجب، فليس من الحرِّية فعله، بل من الحماقة الإتيان به.. ولكي يتّضح لنا مفهوم الحلال
(المباح) والحرام والواجب في الإسلام نعود إلى القرآن الكريم والسنّة النبويّة المطهّرة..
إنّ القرآن الكريم يقول لنا أنّ كل شيء هو حلال لكم ومباح ولكم الحرِّية التامّة في فعله إلا ما حرّمه الله
عليكم، وتلك المحرمات هي أشياء معدودة من الأطعمة والأشربة والأفعال.. حرّمها لوجود الضرر فيها
على سلامة المجتمع وصحّة الأفراد.. كشرب الخمر والمخدّرات والزنا واللواط والسرقة والكذب الغش
وقتل النفس واغتصاب أموال الناس والظلم وأكل الميتة والإعتداء على الناس وتسبيب الخوف والقلق لهم..
قال تعالى: (قُل تعالوا أتلُ ما حرّمَ ربّكُم عليكُم...) (الأنعام/ 151). وقال سبحانه: (إنّما حرّمَ رَبِّي
الفواحش ما ظهرَ منها وما بطن) (الأعراف/ 33)، (ويحلّ لهُم الطّيِّبات ويُحرِّم عليهم الخبائث) (الأعراف/ 157).
ورُوي عن رسول الله (ص) قوله:
"كلّ المسلم على المسلم حرام: دمه وماله وعرضه"