أمير لاشين**
السركاريا الطور المعدي لدودة البلهارسيا
طريقة جديدة ابتكرها فريق من علماء معهد الليزر بالقاهرة حققت نجاحا باهرا في الفتك بأطوار البلهارسيا الموجودة في الماء معتمدة على ضوء الشمس وتحويله إلى طاقة كيميائية تفتك بالبلهارسيا، وحصل الفريق على براءة اختراع من مركز براءات الاختراع بوزارة البحث العلمي بمصر واعتمدتها هيئة الأدوية والغذاء الأمريكية (FDA). ووصفت بأنها أكثر الطرق أمانا وفاعلية وأقلها تكلفة بين طرق مكافحة البلهارسيا التي تصيب 200 مليون شخص تقريبا على مستوى العالم.
تعتمد الطريقة الجديدة على استخدام ضوء الشمس وتحويله إلى طاقة كيميائية تمتصها جزيئات الأكسجين المتواجدة في المياه لتتحول إلى ذرات أكسجين نشط يفتك بالخلايا والأنسجة الحية للبلهارسيا، وتتم عملية التفاعل بعد إضافة مواد مستخلصة من النباتات أو الحيوانات إلى الماء.
يصاب الإنسان بالبلهارسيا عند تعرضه لمياه راكدة تحوي قواقع بها الطور المعدي لدودة البلهارسيا، والذي يطلق عليه السركاريا؛ فدورة حياة دودة البلهارسيا أو الشيستوزوما هيماتوبيوم Schistosoma haematobium تبدأ بانتقال بويضاتها من الشخص المريض عن طريق برازه إلى مياه الترع والقنوات، حيث تبحث البويضة عن أنواع معينة من قواقع المياه العذبة لتدخل فيها وتتحول داخلها إلى السركاريا وهي الطور المعدي الذي ينتقل إلى الإنسان باختراق جلده، وبدخول السركاريا جسم الإنسان تتطور لتصبح دودة ناضجة يمكنها إنتاج بويضات وإعادة دورة حياتها.
جهود أثمرت قنبلة موقوتة
وركزت الجهود المبذولة منذ فترة طويلة للقضاء على البلهارسيا على اختراق دورة حياتها وكسر إحدى حلقاتها، فتوجهت الأبحاث العلمية إلى إيجاد أدوية تقتل البلهارسيا في جسم الإنسان، وقد كان لذلك أثر كبير في تقليل نسبة الإصابة، إلا أنها لم تضع حلا نهائيا فضلا عن ارتفاع تكلفة الأدوية المستخدمة والآثار الضارة المترتبة على تناولها.
قواقع السركاريا
ثم اتجهت الأبحاث بعد ذلك للقضاء على القواقع التي تحمل بويضة البلهارسيا وتحولها إلى السركاريا، لكن ذلك أيضا كان له مخاطره حيث تم استخدام مبيدات سامة تضر بالمياه وتنتقل إلى الأسماك والكائنات الحية الموجودة ومنها إلى الإنسان، وكانت أيضا طريقة مكلفة للغاية.
وأخيرا بدأ البحث عن حل آمن ورخيص لهذه المشكلة، وبالفعل نجح الدكتور محمود هاشم أستاذ علوم الليزر بجامعة القاهرة رئيس الفريق البحثي صاحب الاكتشاف في التوصل إلى طريقة جديدة تعتمد على 3 عوامل رئيسية هي: ضوء الشمس، ومواد مستخلصة من النباتات أو الحيوانات، إضافة إلى الوسيط الحيوي المطلوب القضاء عليه وهو هنا أحد أطوار البلهارسيا.. ومن خلال التفاعل بين العناصر الثلاثة تموت البلهارسيا وتتفتت تماما.
تبدأ عملية التفاعل بين تلك العناصر بعد وضع المستخلص النباتي وهو مادة "البروفرين" في الماء بنسبة واحد إلى مليون من حجم المياه الموجودة، فتمتص القواقع أو البويضات هذه المادة، وبمجرد ظهور أشعة الشمس بطاقتها الضوئية تتفاعل مادة البروفرين مع الضوء منتجة طاقة كيميائية تمتصها جزيئات الأكسجين الموجودة في المياه أو الموجودة في الخلايا الحية لأطوار البلهارسيا، فتتحول جزيئات الأكسجين إلى الحالة المثارة وتحاول التخلص من طاقتها الزائدة فتؤدي إلى انفجار خلايا أطوار البلهارسيا وكذلك الحشرات الضارة، وتستغرق هذه العملية 30 دقيقة من بداية عملية التفاعل.
أين يذهب البروفرين؟
ويؤكد الدكتور هاشم أن البروفرين مادة صديقة للبيئة حيث أثبتت التجارب أنها تتحلل تلقائيا إلى عناصر آمنة بمجرد امتصاصها للضوء تتحول إلى ثاني أكسيد الكربون والماء. والبروفرين مادة يتم استخلاصها من الكلوروفيل الموجود في النبات الأخضر أو دم الحيوان، وفي حالة استخلاصها من النبات يتم الحصول عليها عن طريق انتزاع المغنسيوم من الكلوروفيل، أما من الحيوان فيتم بالتخلص من الحديد الموجود في هيموجلوبين الدم.. وبذلك نحصل على مادة البروفرين، وبمجرد تفاعل المادة مع الشمس تنكسر تماما وتتلاشى.
وقد أجريت دراسات عن تأثير البروفرين على ذريعة الأسماك الموجودة بتركيزات متفاوتة وبأعمار مختلفة وتضمنت الدراسة كذلك بيض الأسماك، فوجد انعدام تأثير تلك المادة على الأسماك أو المياه.
ويذكر د.هاشم أيضا أن جامعة ليدز البريطانية أرسلت له خطابا تؤكد فيه أن مشتقات البروفرين آمنة جدا على الإنسان، وأن العديد من شركات الدواء تستخدمها حيث يتم إعطاؤها كحقن في الوريد للقضاء على الخلايا السرطانية. فضلا عن ذلك فإن استخدام البروفين في القضاء على البلهارسيا يتم بنسب قليلة للغاية ودورها لا يتعدى تحويل الطاقة الضوئية إلى كيميائية؛ فهي ليست مادة سامة كالمبيد الذي كان يستخدم في السابق.
التطبيق وفوائد أخرى
أما عن التطبيق العملي للاكتشاف فحسب ما ذكره الدكتور هشام فإنه تم عمل العديد من التجارب في معهد تيودودر بلهارس ومحطة أبحاث القواقع بالقناطر الخيرية بمصر، ثم تم تطبيق الاكتشاف على نطاق أوسع في الترع والقنوات المائية المختلفة واقتربت نتيجة موت أطوار البلهارسيا من 100% تقريبا.
واكتشفنا كذلك أن هذه الطريقة فعالة بدرجة كبيرة في القضاء على الخلايا السرطانية حيث يتم حقن الخلايا المصابة بالبروفرين ويتم تعريضها للضوء عن طريق أشعة الليزر فتدمر الخلايا المصابة تماما، وقد شاءت قدرة الله سبحانه وتعالى أن يتم التفاعل في الخلايا السرطانية فقط وليس الخلايا العادية، حيث فشلت الخلايا المصابة في التخلص من مادة البروفرين على عكس الخلايا السليمة، ويتم تطبيق تلك الطريقة في علاج الأورام السرطانية بشكل موسع في دول المتقدمة وقد حققت نجاحا باهرا في علاج الأورام الخبيثة وخصوصا سرطان الجلد، ويتم الآن تطبيق هذه الطريقة في المعهد القومي للأورام بمصر.