مملكة فلسطينى
[center]مرحبا بك في منتديات مملكة فلسطينى
لتتمكن من الإستمتاع بكافة ما يوفره لك هذا المنتدى من خصائص, يجب عليك أن تسجل الدخول الى حسابك في المنتدى من هنــــا
إن لم
مملكة فلسطينى
[center]مرحبا بك في منتديات مملكة فلسطينى
لتتمكن من الإستمتاع بكافة ما يوفره لك هذا المنتدى من خصائص, يجب عليك أن تسجل الدخول الى حسابك في المنتدى من هنــــا
إن لم


الرئيسيةالرئيسيةالبوابةأحدث الصورالمتواجدون فى المنتدى الأنالتسجيلدخولتسجيل دخول الاعضاء 1

شاطر|

السيره النبويه (12)

استعرض الموضوع التالي استعرض الموضوع السابق اذهب الى الأسفل
كاتب الموضوعرسالة
elkashif
عضو مميز
عضو مميز
elkashif


الاوسمه الاوسمه : السيره النبويه (12) Empty
mms mms : قمة التحدى أن تبتسم وفى عينيك ألــــــــــف دمـعــــــه وقمة الحـــــزن أن تعشق ماليس لــــــــــــك
مدى نشاط الاعضاء مدى نشاط الاعضاء :
السيره النبويه (12) Left_bar_bleue50 / 10050 / 100السيره النبويه (12) Right_bar_bleue
الموقع الموقع : مصر
المزاج المزاج : السيره النبويه (12) Busy10
الجنس الجنس : ذكر
المهنه المهنه : السيره النبويه (12) Pharma10
عدد المساهمات عدد المساهمات : 761
نقاط المسابقات نقاط المسابقات : 200
نقاط نقاط : 16508
العمر العمر : 36
المزاج المزاج : مهموووووووووووووووم

بطاقة الشخصية
مرئى للجميع:
السيره النبويه (12) Left_bar_bleue1/1السيره النبويه (12) Empty_bar_bleue  (1/1)


تابع منتديات مملكة فلسطينى على توتير تابعنا على توتير
تابع منتديات مملكة فلسطينى على الفيس بوك تابعنا على الفيس بوك
تابع منتديات مملكة فلسطينى على جوجل بلس تابعنا على جوجل بلس
ـنضم لجروب مملكة فلسطينى على الفيس بوك أنضم لجروبنا على الفيس بوك
تابع منتديات مملكة فلسطينى على اليوتيوب تـــابعـنـا علــــى الــيـــــــــوتيوب
 راســـــــــــــــــــــــل الأداره  راســـــــــــــــــــــــــــــــل الأداره

www.battash.com

مُساهمةموضوع: السيره النبويه (12) السيره النبويه (12) I_icon_minitimeالأربعاء 24 أغسطس - 9:15

7- عبد الله بن مسعود :


كان منهج رسول الله صلى الله عليه وسلم في معاملته للناس حكيمًا، وكان
يعامل الأكابر وزعماء القبائل بلطف وترفق, وكذلك الصبيان الصغار, فهذا ابن
مسعود يحدثنا عن لقائه اللطيف برسول الله صلى الله
عليه وسلم
: كنت غلامًا يافعًا أرعى غنما لعقبة بن أبي مُعَيط فمر بي


رسول الله صلى
الله عليه وسلم
وأبو بكر فقال: «يا غلام هل من
لبن؟»
قلت: نعم ولكني مؤتمن، قال: «فهل من شاة لم
ينز عليها فحل؟»
فأتيته بشاة فمسح ضرعها فنزل لبن فحلبه في إناء فشرب وسقى
أبا بكر، ثم قال للضرع: «اقلص»، فقلص قال: ثم
أتيته بعد هذا فقلت: يا رسول الله علمني من هذا القول، قال: فمسح رأسي وقال: «يرحمك الله فإنك غليم معلم».


وهكذا كان مفتاح إسلامه كلمتين عظيمتين:
الأولى قالها عن نفسه، «إني مؤتمن»، والثانية كانت من الصادق المصدوق حيث قال له: «إنك غليم معلم» ولقد كان لهاتين الكلمتين دور عظيم في
حياته، وأصبح فيما بعد من أعيان علماء الصحابة -رضوان الله عليهم- ودخل عبدالله في
ركب الإيمان، وهو يمخر بحار الشرك في قلعة الأصنام، فكان واحدًا من أولئك السابقين
الذين مدحهم الله في قرآنه العظيم. قال عنه ابن حجر: «أحد السابقين الأولين، أسلم
قديمًا، وهاجر الهجرتين، وشهد بدرًا والمشاهد بعدها، ولازم النبي صلى الله عليه وسلم وكان صاحب نعليه».



أول من جهر بالقرآن الكريم:


بالرغم من أن ابن مسعود كان حليفًا وليس
له عشيرة تحميه، ومع أنه كان ضئيل الجسم, دقيق الساقين، فإن ذلك لم يحل دون ظهور
شجاعته وقوة نفسه , وله مواقف رائعة في ذلك, منها ذلك المشهد المثير في مكة،
وإبان الدعوة وشدة وطأة قريش عليها، فلقد وقف على ملئهم وجهر بالقرآن، فقرع به
أسماعهم المقفلة وقلوبهم المغلَّفة فكان أول من جهر بالقرآن بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة: اجتمع يومًا أصحاب رسول الله
فقالوا: والله ما سمعت قريش هذا القرآن يجهر لها به قط، فمن رجل يسمعهموه؟ فقال
عبد الله بن مسعود: أنا، قالوا: إنا نخشاهم عليك، إنما نريد رجلاً له عشيرة
يمنعونه من القوم إن أرادوه، قال: دعوني فإن الله سيمنعني. قال: فغدا ابن مسعود
حتى أتى المقام في الضحى، وقريش في أنديتها، حتى قام عند المقام ثم قرأ: ( بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ) رافعا بها صوته ( الرَّحْمَنُ ` عَلَّمَ الْقُرْآنَ ) قال: ثم استقبلها يقرؤها، قال: فتأملوه فجعلوا يقولون: ماذا قال
ابن أم عبد؟ قال: ثم قالوا: إنه ليتلو بعض ما جاء به محمد، فقاموا إليه فجعلوا
يضربونه في وجهه، وجعل يقرأ حتى بلغ منها ما شاء الله أن يبلغ، ثم انصرف إلى
أصحابه وقد أثروا في وجهه، فقالوا له: هذا الذي خشينا عليك، فقال: ما كان أعداء
الله أهون عليَّ منهم الآن، ولئن شئتم لأغادينهم بمثلها، قالوا: لا، حسبك، قد
أسمعتهم ما يكرهون.


وبهذا كان عبد الله بن مسعود أول من جهر
بالقرآن بمكة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم،
ولا غرو أن هذا العمل الذي قام به عبد الله يعتبر تحديًّا عمليًّا لقريش, التي ما
كانت لتتحمل مثل هذا الموقف، ويلاحظ جرأة عبد الله عليهم بعد هذه التجربة على
الرغم مما أصابه من أذى.


8- خالد بن سعيد بن
العاص
:


كان إسلام خالد قديمًا، لرؤيا رآها عند
أول ظهور النبي صلى الله عليه وسلم, إذ رأى كأنه
وقف على شفير النار، وهناك من يدفعه فيها, والرسول يلتزمه لئلا يقع، ففزع من نومه،
معتقدًا أن هذه الرؤيا حق، فقصها على أبي بكر الصديق، فقال له: أُريد بك خيرًا هذا
رسول الله صلى الله عليه وسلم فاتبعه، فذهب إليه
فأسلم، وأخفى إسلامه خوفًا من أبيه، لكن أباه علم لما رأى كثرة تغيبه عنه، فبعث
إخوته الذين لم يكونوا قد أسلموا بعد في طلبه، فجيء به، فأنبه وضربه بمقرعة أو عصا
كانت في يده حتى كسرها على رأسه، ثم حبسه بمكة, ومنع إخوته من الكلام معه، وحذرهم
من عمله، ثم ضيق عليه الخناق فأجاعه, وقطع عنه الماء ثلاثة أيام، وهو صابر محتسب،
ثم قال له أبوه: والله لأمنعنك القوت، فقال خالد: إن منعتني فإن الله يرزقني ما
أعيش به، وانصرف إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم
فكان يكرمه، ويكون معه، ثم رأى أن يهاجر إلى الحبشة مع من هاجر إليها من المسلمين
في المرة الثانية.


9- عثمان بن مظعون:


لما أسلم عدا عليه قومه بنو جمح فآذوه،
وكان أشدهم عليه وأكثرهم إيذاء له أمية بن خلف؛ ولذلك قال بعد أن خرج إلى الحبشة
يعاتبه:



أأخرجتني
من بطن مكة آمنًا



وأسكنتني في صرح بيضاء
تقذع

تريش
نبالاً لا يواتيك ريشها



وتبري نبالاً ريشها لك
أجمع

وحاربت
أقواما كرامًا أعزة



وأهلكت أقوامًا بهم كنت
تفزع

ستعلم
إن نابتك يومًا ملمة



وأسلمك الأوباش ما كانت
تصنع




وبقي عثمان بن مظعون فترة في الحبشة، لكنه
لم يلبث أن عاد منها ضمن من عاد من المسلمين في المرة الأولى، ولم يستطع أن يدخل
مكة إلا بجوار من الوليد بن المغيرة، حيث ظل يغدو في جواره آمنًا مطمئنًا، فلما
رأى ما يصيب أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم من
البلاء, وما هو فيه من العافية أنكر ذلك على نفسه، وقال: والله إن غدوي ورواحي
آمنا بجوار رجل من أهل الشرك وأصحابي وأهل ديني يلقون من البلاء والأذى في الله ما
لا يصيبني لنقص كبير في نفسي, فذهب إلى الوليد بن المغيرة وقال له: يا أبا عبد شمس
وفت ذمتك، وقد رددت إليك جوارك، فقال: لم يا ابن أخي؟ فلعلك أوذيت، أو انتهكت،
قال: لا، ولكني أرضى بجوار الله تعالى ولا أريد أن أستجير بغيره، قال: فانطلق إلى
المسجد فاردد علي جواري علانية، كما أجرتك علانية، فانطلقا إلى المسجد فرد عليه
جواره أمام الناس, ثم انصرف عثمان إلى مجلس من مجالس قريش فجلس معهم، وفيهم لبيد
بن ربيعة الشاعر ينشدهم فقال لبيد: (ألا كل شيء ما خلا الله باطل) فقال عثمان:
صدقت, واستمر لبيد في إنشاده فقال: (وكل نعيم لا محالة زائل) فقال عثمان: كذبت،
نعيم الجنة لا يزول، قال لبيد: يا معشر قريش، والله ما كان يؤذى جليسكم فمتى حدث
هذا فيكم؟ فقال رجل من القوم: إن هذا سفيه في سفهاء معه قد فارقوا ديننا، فلا تجدن
في نفسك من قوله، فرد عليه عثمان حتى شرى أمرهما، فقام إليه ذلك الرجل فلطم عينه
فاخضرت، والوليد بن المغيرة قريب يرى ما بلغ من عثمان، فقال: أما والله يا ابن أخي
إن عينك لغنية عما أصابها، ولقد كنت في ذمة منيعة، فقال عثمان: والله إن عيني
الصحيحة لفقيرة إلى مثل ما أصاب أختها في الله،
وإني لفي جوار من هو أعز منك وأقدر يا أبا عبد شمس، ثم عرض عليه الوليد الجوار مرة
أخرى فرفض.


وهذا يدل على مدى قوة إيمانه ،
ورغبته في الأجر، والمثوبة عند الله, ولذلك
لما مات, رأت امرأة في المنام أن له عينًا تجري, فجاءت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته فقال:«ذلك عمله».


وغير ذلك من الصحابة الكرام تعرض للتعذيب،
وهكذا نرى أولئك الرهط من الشباب القرشي, قد أقبلوا على دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم واستجابوا لها والتفوا حول صاحبها،
على الرغم من مواقف آبائهم وذويهم وأقربائهم المتشددة تجاههم، فضحوا بكل ما كانوا
يتمتعون به من امتيازات قبل دخولهم في الإسلام، وتعرضوا للفتنة رغبة فيما عند الله
تعالى من الأجر والثواب، وتحملوا أذى كثيرًا، وهذا فعل الإيمان في النفوس، عندما
يخالطها فتستهين بكل ما يصيبها من عنت وحرمان, إذا كان ذلك يؤدي إلى الفوز برضا
الله تعالى وجنته.


هذا, ولم يكن التعذيب والأذى مقصورًا على
رجال المسلمين دون نسائهم، وإنما طال النساء أيضا قسط كبير من الأذى والعنت بسبب
إسلامهن كسمية بنت خياط وفاطمة بنت الخطاب ولبيبة جارية بني المؤمل، وزنيرة
الرومية، والنهدية وابنتها، وأم عبيس، وحمامة أم بلال وغيرهن.


خامسًا: حكمة الكفّ عن القتال في
مكة واهتمام النبي
صلى الله عليه وسلم بالبناء الداخلي:


كان المسلمون يرغبون في الدفاع عن أنفسهم,
ويبدو أن الموقف السلمي أغاظ بعضهم وخاصة الشباب منهم، وقد أتى عبد الرحمن بن عوف
وأصحابه إلى النبي صلى الله عليه وسلم بمكة
فقالوا: يا نبي الله كنا في عزة ونحن مشركون، فلما آمنا صرنا أذلة قال: «إني أمرت بالعفو فلا تقاتلوا القوم» وتعرض بعض
الباحثين للحكمة الربانية في عدم فرضية القتال في مكة ومن هؤلاء الأستاذ سيد قطب
-رحمه الله تعالى- فقد قال: لا نجزم بما نتوصل إليه لأننا حينئذ نتألى على الله ما
لم يبين لنا من حكمة، ونفرض أسبابًا وعللاً قد لا تكون هي الأسباب والعلل
الحقيقية، أو وقد تكون.


ذلك أن شأن المؤمن أمام أي تكليف, أو أي
حكم من أحكام الشريعة, هو التسليم المطلق؛ لأن الله سبحانه هو العليم الخبير،
وإنما نقول هذه الحكمة والأسباب من باب الاجتهاد, وعلى أنه مجرد احتمال؛ لأنه لا
يعلم الحقيقة إلا الله، ولم يحددها هو لنا ويطلعنا عليها بنص صريح. ومن هذه
الأسباب والحكم والعلل بإيجاز:


1- أن الكف عن القتال في مكة, ربما لأن
الفترة المكية كانت فترة تربية وإعداد في بيئة معينة، لقوم معينين، وسط ظروف
معينة، ومن أهداف التربية في مثل هذه البيئة: تربية الفرد العربي على الصبر, على
ما لا يصبر عليه عادة, من الضيم حين يقع عليه أو على من يلوذون به, ليخلص من شخصه
ويتجرد من ذاته، فلا يندفع لأول مؤثر، ولا يهتاج لأول مهيج, ومن ثم يتم الاعتدال
في طبيعته وحركته، ثم تربيته على أن يتبع نظام المجتمع الجديد بأوامر القيادة
الجديدة، حيث لا يتصرف إلا وفق ما تأمره -مهما يكن مخالفًا لمألوفه وعادته- وقد
كان هذا هو حجر الأساس في إعداد شخصية العربي المسلم لإنشاء (المجتمع المسلم).


2- وربما كان ذلك أيضا؛ لأن الدعوة السلمية,
أشد أثرًا وأنفذ في مثل بيئة قريش ذات العنجهية والشرف، والتي قد يدفعها القتال
معها -في مثل هذه الفترة- إلى زيادة العناد, ونشأة ثارات دموية جديدة, كثارات
العرب المعروفة أمثال داحس والغبراء وحرب البسوس، وحينئذ يتحول الإسلام من دعوة
إلى ثارات, تنسى معها فكرته الأساسية.


3- وربما كان ذلك أيضًا اجتنابًا لإنشاء
معركة ومقتلة داخل كل بيت، فلم تكن هناك سلطة نظامية عامة هي التي تعذب المؤمنين،
وإنما كان ذلك موكولاً إلى أولياء كل فرد, ومعنى الإذن بالقتال، في مثل هذه
البيئة، أن تقع معركة ومقتلة في كل بيت ثم يقال: هذا هو الإسلام، ولقد قيلت حتى
والإسلام يأمر بالكف عن القتال، فقد كانت دعاية قريش في المواسم، إن محمدًا يفرق
بين الوالد وولده، فوق تفريقه لقومه وعشيرته, فكيف لو كان كذلك يأمر الولد بقتل
الوالد، والمولى بقتل الولي؟


4- وربما كان ذلك أيضًا, لما يعلمه الله, من
أن كثيرًا من المعاندين الذين يفتنون المسلمين عن دينهم ويعذبونهم, هم بأنفسهم
سيكونون من جند الإسلام المخلص، بل من قادته، ألم يكن عمر بن الخطاب من بين هؤلاء؟



5- وربما كان ذلك أيضًا؛ لأن النخوة العربية
في بيئة قبلية من عادتها أن تثور للمظلوم الذي يحتمل الأذى، ولا يتراجع, وبخاصة
إذا كان الأذى واقعا على كرام الناس فيهم، وقد وقعت ظواهر كثيرة تثبت صحة هذه
النظرة في هذه البيئة، فابن الدُّغُنَّة لم يرض أن يترك أبا بكر وهو رجل كريم
يهاجر ويخرج من مكة، ورأى في ذلك عارًا على العرب، وعرض عليه جواره وحمايته، وآخر
هذه الظواهر نقض صحيفة الحصار لبني هاشم في شعب أبي طالب.


6- وربما كان ذلك أيضًا لقلة عدد المسلمين
حينئذ, وانحصارهم في مكة، حيث لم تبلغ الدعوة إلى بقية الجزيرة أو بلغت ولكن بصورة
متناثرة، حيث كانت القبائل تقف على الحياد من معركة داخلية بين قريش، وبعض
أبنائها، لترى ماذا يكون مصير الموقف, ففي مثل هذه الحالة قد تنتهي المعركة
المحدودة إلى قتل المجموعة المسلمة القليلة، حتى ولو قتلوا هم أضعاف من سيقتل
منهم، ويبقى الشرك ولا يقوم للإسلام في الأرض نظام، ولا يوجد له كيان واقعي، وهو
دين جاء ليكون منهج حياة ونظام دنيا وآخرة.


7- إنه لم تكن هناك ضرورة قاهرة ملحة،
لتجاوز هذه الاعتبارات كلها، والأمر بالقتال، ودفع الأذى؛ لأن الأمر الأساسي في
هذه الدعوة, كان قائمًا ومحققًا وهو (وجود الدعوة), ووجودها في شخص الداعية محمد صلى الله عليه وسلم، وشخصه في حماية سيوف بني هاشم، فلا
تمتد إليه يد إلا وهي مهددة بالقطع، ولذلك لا يجرؤ أحد على منعه من إبلاغ الدعوة
وإعلانها في ندوات قريش حول الكعبة، ومن فوق جبل الصفا، وفي الاجتماعات العامة،
ولا يجرؤ أحد على سجنه أو قتله، أو أن يفرض عليه كلامًا بعينه يقوله.


إن هذه الاعتبارات كلها -فيما نحسب- كانت
بعض ما اقتضت حكمة الله – معه- أن يأمر المسلمين بكف أيديهم, وإقام الصلاة, وإيتاء
الزكاة، لتتم تربيتهم وإعدادهم، وليقف المسلمون في انتظار أمر القيادة، في الوقت
المناسب، وليخرجوا أنفسهم من المسألة كلها، فلا يكون لذواتهم فيها حظ، لتكن خالصة
وفي سبيل الله.


وقد تعلم الصحابة من القرآن الكريم فقه
المصالح والمفاسد، وكيفية التعامل مع
هذا الفقه من خلال الواقع, قال تعالى: ( وَلاَ
تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللهِ فَيَسُبُّوا
اللهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ
ثُمَّ إِلَى رَبِّهِم مَّرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا
يَعْمَلُونَ
)
[الأنعام: 108].


وهكذا تعلم الصحابة رضي الله عنهم, أن
المصلحة إن أدت إلى مفسدة أعظم تترك, وفي هذا تهذيب أخلاقي، وسمو إيماني، وترفع عن
مجاراة السفهاء الذين يجهلون الحقائق، وتخلو أفئدتهم من معرفة الله وتقديسه، وقد
ذكر العلماء بأن الحكم باقٍ في الأمة على كل حال، فمتى كان الكافر في منعة, وغير
خاضع لسلطان الإسلام والمسلمين، وخيف أن يسب الإسلام أو النبي صلى الله عليه وسلم أو الله عز وجل، فلا يحل لمسلم أن
يسب صلبانهم, ولا دينهم, ولا كنائسهم، ولا يتعرض إلى ما يؤدي إلى ذلك؛ لأنه فعل
بمنزلة التحريض على المعصية، وهذا نوع من الموادعة, ودليل على وجوب الحكم بسد
الذرائع.


والناظر في الفترة المكية, والتي كانت
ثلاثة عشر عامًا, كلها في تربية وإعداد وغرس لمفاهيم لا إله إلا الله, يدرك ما
لأهمية هذه العقيدة من شأن في عدم الاستعجال, واستباق الزمن، فالعقيدة بحاجة إلى
غرس يتعهد بالرعاية والعناية والمداومة, بحيث لا يكون للعجلة والفوضى فيها نصيب،
وما أجدر الدعاة إلى الله أن يقفوا أمام تربية المصطفى صلى
الله عليه وسلم
، لأصحابه على هذه العقيدة وقفة طويلة، فيأخذوا منها العبرة
والأسوة؛ لأنه لا يقف في وجه الجاهلية أيًّا كانت قديمة أو حديثة أم مستقبلة, إلا
رجال اختلطت قلوبهم ببشاشة العقيدة الربانية، وتعمقت جذور شجرة التوحيد في نفوسهم.



كان رسول الله صلى
الله عليه وسلم
قد أمر أصحابه بضبط النفس والتحلي بالصبر، وكان يربي أصحابه
على عينه, ويوجههم نحو توثيق الصلة بالله، والتقرب إليه بالعبادة، وقد نزلت الآيات
في المرحلة المكية: ( يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ ` قُمِ اللَّيْلَ إِلاَّ
قَلِيلاً
` نِصْفَهُ أَوِ انقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً ` أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ
الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً
) [المزمل: 1-4]. فقد أرشدت سورة المزمل الصحابة إلى حاجة
الدعاة إلى قيام الليل، والدوام على الذكر، والتوكل على الله في جميع الأمور،
وضرورة الصبر, ومع الصبر الهجر الجميل، والاستغفار بعد الأعمال الصالحة.


كانت الآيات الأولى من سورة المزمل تأمر
النبي صلى الله عليه وسلم أن يخصص شطرًا من الليل
للصلاة، وقد خيره الله تعالى أن يقوم للصلاة نصف الليل, أو يزيد عليه, أو ينقص
منه، فقام النبي صلى الله عليه وسلم، وأصحابه معه
قريبًا من عام, حتى ورمت أقدامهم, فنزل التخفيف عنهم, بعد أن علم الله منهم
اجتهادهم في طلب رضاه، وتشميرهم لتنفيذ أمره ومبتغاه، فرحمهم ربهم فخفف عنهم,
فقال: ( إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ
تَقُومُ أَدْنَى مِن ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِّنَ
الَّذِينَ مَعَكَ وَاللهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ عَلِمَ أَلَّن
تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَؤُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ عَلِمَ
أَن سَيَكُونُ مِنكُم مَّرْضَى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الأَرْضِ يَبْتَغُونَ
مِن فَضْلِ اللهِ وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ فَاقْرَؤُوا مَا
تَيَسَّرَ مِنْهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاَةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَقْرِضُوا اللهَ
قَرْضًا حَسَنًا وَمَا تُقَدِّمُوا لأَنْفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ
اللهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا وَاسْتَغْفِرُوا اللهَ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ
رَّحِيمٌ
) [المزمل: 20].


كان امتحانهم في الفرش, ومقاومة النوم,
ومألوفات النفس, لتربيتهم على المجاهدة، وتحريرهم من الخضوع لأهواء النفس، تمهيدًا
لحمل زمام القيادة والتوجيه في عالمهم، إذ لابد من إعداد روحي عالٍ لهم، وقد
اختارهم الله لحمل رسالته، وائتمنهم على دعوته، واتخذ منهم شهداء على الناس،
فالعشرات من المؤمنين في هذه المرحلة التاريخية كانت أمامهم المهمات العظيمة في
دعوة الناس إلى التوحيد، وتخليصهم من الشرك، وهي مهمة عظيمة يقدر على تنفيذها
أولئك الذين: ( تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ
الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا
). وقد وصف الله قيام الليل والصلاة فيه
وقراءة القرآن ترتيلاً -أي مع البيان والتؤدة- بقوله: ( إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطئًا وَأَقْوَمُ
قِيلاً
)
فهو أثبت أثرًا في النفس مع سكون الليل وهدأة الخلق، حيث تخلو من شواغلها وتفرغ للذكر،
والمناجاة بعيدًا عن علائق الدنيا وشواغل النهار, وبذلك يتحقق الاستعداد اللازم
لتلقي الوحي الإلهي ( إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ
قَوْلا ثَقِيلاً
),
والقول الثقيل هو القرآن الكريم، وقد ظهر أثر هذا الإعداد الدقيق للمسلمين الأوائل
في قدرتهم على تحمل أعباء الجهاد وإنشاء الدولة بالمدينة, وفي إخلاصهم العميق
للإسلام وتضحيتهم من أجل إقامته في دنيا الناس ونشره بين العالمين.


لقد كان النبي صلى
الله عليه وسلم
مهتمًا بجبهته الداخلية, وحريصًا على تعبئة أصحابه بالعقيدة
القوية التي لا تتزعزع ولا تلين، وكان هذا مبعثا لروح معنوية مرتفعة وقوية للدفاع
وتحمل العذاب والأذى في سبيل الدعوة، وأصبحت الجماعة الأولى وحدة متماسكة لا تؤثر
فيها حملات العدو النفسية، ولا تجد لها مكانا في هذه الجماعة عن طريق المؤاخاة بين
المسلمين, فقد أصبحت رابطة الأخوة في الله تزيد على رابطة الدم والنسب, وتفضلها في
الدين الإسلامي، وتعايش الرعيل الأول بمعاني الأخوة الرفيعة القائمة على الحب
والمودة والإيثار، وكانت أحاديث رسول الله صلى الله عليه
وسلم
تفعل فعلها في نفوس الصحابة, فكان صلى الله
عليه وسلم
يحث المسلمين على الأخوة والترابط والتعاون وتفريج الكرب لا لشيء
إلا لرضى الله سبحانه, لا نظير خدمة مقابلة أو نحو ذلك، وإنما يفعل المسلم ذلك
ابتغاء وجه الله وحده، وهذه المبادئ هي سر استمرار الأخوة الإسلامية, وتماسك
المجتمع الإسلامي, وبين لهم الرسول صلى الله عليه وسلم
في الحديث القدسي الذي يرويه عن ربه سبحانه وتعالى: «المتحابون
في جلالي، لهم منابر من نور يغبطهم النبيون والشهداء»
.


وهكذا أصبحت الأخوة الصادقة من مقاييس
الأعمال، وأصبحت المحبة في الله من أفضل الأعمال، ولها أفضل الدرجات عند الله,
وحذر الرسول صلى الله عليه وسلم المسلمين من أن
تهون عليهم هذه الرابطة، ووضع لهم أساس الحفاظ عليها, فقال لهم: «لا تباغضوا ولا تحاسدوا ولا تدابروا، وكونوا عباد الله
إخوانًا»
.


واستعان النبي صلى
الله عليه وسلم
في ربط المجتمع الداخلي, وتوحيد جبهته لتكون قوية في مواجهة
الحرب النفسية الموجهة ضدها، بالمساواة بين أفراد هذه الجبهة وإعطائهم الحرية, فهم
لا يدخلون إلى هذا المجتمع إلا بالحرية، ثم كانت لهم في داخله حرية الرأي, وحرية
التعبير والمشورة، أتى محمد صلى الله عليه وسلم
بمبدأ المساواة بين جميع الناس، الحاكم والمحكوم, والغني والفقير، وبين جميع
الطبقات، وقد كان لهذا المبدأ العظيم أكبر الأثر في نفوس أتباع النبي صلى الله عليه وسلم، وجعلهم يتحابون ويتماسكون ويفتدون
بأرواحهم ويدافعون عنه بكل ما أوتوا من قوة وعزيمة, فهو صلى
الله عليه وسلم
لم يقر تفاوتًا بين البشر, بسبب مولد أو أصل, أو حسب أو نسب
أو وراثة، أو لون. والاختلاف في الأنساب والأجناس والألوان، لا يؤدي إلى اختلاف في
الحقوق والواجبات أو العبادات، فالكل أمام الله سواسية، وعندما طلب أشراف مكة من
رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجعل لهم مجلسًا
غير مجلس العبيد والضعفاء, حتى لا يضمهم وإياهم مجلس واحد, بَيَّن الرسول صلى الله عليه وسلم أن جميع الناس متساوون في تلقي
الوحي والهداية، ورفض كفار مكة وسادتها في ذلك الوقت أن يجلسوا مع العبيد, ومن
يعتبرونهم ضعفاء أذلاء من أتباع محمد صلى الله عليه وسلم,
فنزل القرآن الكريم بقوله تعالى: ( وَاصْبِرْ
نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ
وَجْهَهُ وَلاَ تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا
وَلاَ تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ
أَمْرُهُ فُرُطًا
` وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ
فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ
سُرَادِقُهَا وَإِن يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي
الْوجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا
) [الكهف: 28، 29] بل إن النبي صلى
الله عليه وسلم
لما أعرض عن ابن أم مكتوم الأعمى، منشغلاً بمحاورة بعض
الأشراف، عاتبه الله أشد العتاب.


وكان من أكبر أساليب النبي صلى الله عليه وسلم في ربطه المجتمع الإسلامي وتوحيده،
وتقويته للجبهة الداخلية, وجعلها قوية البنيان متماسكة، ما دعا إليه صلى الله عليه وسلم من التكافل المادي, والمعنوي بين
المسلمين، ليعين منهم القوي الضعيف، وليعطف الغني على الفقير، ولم يترك صلى الله عليه وسلم ثغرة واحدة تنفذ منها الحرب النفسية
إلى هذا الصف الإسلامي الأول, وأصبحت الجماعة الأولى صخرة عظيمة, تحطمت عليها كل
الجهود والخطط التي بذلها زعماء مكة للقضاء على الدعوة.


سادسًا: أثر القرآن الكريم في رفع
معنويات الصحابة:



كان للقرآن الكريم أثر عظيم في شد أزر
المؤمنين من جانب, وتوعده الكفار بالعذاب من جانب آخر، مما كان له وقع القنابل على
نفوسهم، وقد كان دفاع القرآن الكريم عن الصحابة يتمثل في نقطتين:


الأولى: حث الرسول صلى الله عليه وسلم
على رعايتهم وحسن مجالستهم واستقبالهم, ومعاتبته على بعض المواقف التي ترك فيها
بعض الصحابة لانشغاله بأمر الدعوة أيضا.


الثانية: التخفيف عن الصحابة بضرب الأمثلة والقصص لهم, من الأمم السابقة،
وأنبيائها، وكيف لاقوا من قومهم الأذى، والعذاب, ليصبروا ويستخفوا بما يلاقون،
وأيضًا بمدح بعض تصرفاتهم، ثم بوعدهم بالثواب والنعيم المقيم في الجنة، وكذلك
بالتنديد بأعدائهم الذين كانوا يذيقونهم الألم والأذى.


أما
النقطة الأولى:

حينما كان النبي صلى الله عليه وسلم يجلس في
المسجد مع المستضعفين من أصحابه: خباب وعمار، وابن فكيهة يسار مولى صفوان بن أمية,
وصهيب وأشباههم، فكانت قريش تهزأ بهم، وقال الكفار بعضهم لبعض: هؤلاء أصحابه كما
ترون، ثم يقولون أهؤلاء منَّ الله عليهم من بيننا بالهدى والحق، لو كان ما جاء به
محمد خيرًا ما سبقنا هؤلاء إليه، وما خصهم الله به دوننا.


ورد الله سبحانه وتعالى على استهزاء هؤلاء
الكفار مبينًا لهم أن رضا الله لبعض عباده، لا يتوقف على منزلته ولا مكانته بين
الناس في الدنيا، كما يؤكد لرسوله صلى الله عليه وسلم
هذا المفهوم، حتى لا يتأثر بما يقوله الكفار، من محاولات الانتقاص من شأن
هؤلاء الصحابة، ومبينًا له أيضًا مكانتهم فيقول الله تبارك وتعالى: ( وَلاَ تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ
وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِم مِّن شَيْءٍ وَمَا
مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِم مِّن شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ
الظَّالِمِينَ
` وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِّيَقُولوا أَهَؤُلاَءِ
مَنَّ اللهُ عَلَيْهِم مِّن بَيْنِنَا أَلَيْسَ اللهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ
` وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ
يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى
نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَن عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءً بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ
مِن بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ
)[الأنعام:52-54].



وهكذا بين الله لرسوله شأن هؤلاء الصحابة
وقيمتهم ومنزلتهم التي يجهلها أو يتجاهلها الكفار، ويحاولون أن ينالوا منها، بل
ويزيد الله على ذلك أن ينهى الرسول عن طردهم، كما يأمر بحسن تحيتهم، ويأمره أيضا
أن يبشرهم بأن الله سبحانه، قد وعد بمغفرة ذنوبهم بعد توبتهم.


كيف تكون الروح المعنوية لهؤلاء، كيف
يجدون الأذى من الكفار بعد ذلك, إنهم يفرحون بهذا الأذى الذي وصلوا بسببه إلى هذه
المنازل العظيمة.


ثم نرى عتاب الله لرسوله صلى الله عليه وسلم في آيات تتلى إلى يوم القيامة، وكان
هذا العتاب في شأن رجل فقير أعمى من الصحابة, أعرض عنه الرسول صلى الله عليه وسلم مرة واحدة، ولم يجبه على سؤاله
لانشغاله بدعوة بعض أشراف مكة.


فنزل قول الله تعالى: ( عَبَسَ وَتَوَلَّى ` أَن جَاءَهُ الأعْمَى ` وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ
يَزَّكَّى
` أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى ` أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى ` فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى ` وَمَا عَلَيْكَ أَلاَّ
يَزَّكَّى
` وَأَمَّا مَن جَاءَكَ يَسْعَى ` وَهُوَ يَخْشَى ` فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى ) [عبس: 1-10].


إنه لا مجال للامتيازات في دعوة الحق بسبب
الحسب والنسب, أو المال والجاه، فهي إنما جاءت لتأصيل النظرة إلى الإنسان وبيان
وحدة الأصل، وما تقتضيه من المساواة والتكافؤ، من هنا يمكن تعليل شدة أسلوب العتاب
الذي وجهه الله تعالى لرسوله للاهتمام الكبير الذي أظهره لأبي بن خلف, على حساب
استقباله لابن أم مكتوم الضعيف , فابن أم مكتوم يرجح في ميزان الحق على البلايين
من أمثال أبي بن خلف لعنه الله.


وكانت لهذه القصة دروس وعبر, استفاد منها
الرعيل الأول، ومن جاء بعدهم من المسلمين ومن أهم هذه الدروس، الإقبال على
المؤمنين, على الدعاة البلاغ, وليس عليهم الهداية، في قصة الأعمى دليل على نبوة
محمد صلى الله عليه وسلم فلو لم يكن نبينا محمد صلى الله عليه وسلم رسول الله لكتم هذه الحادثة، ولم
يخبر الناس بها لما فيها من عتاب له صلى الله عليه وسلم
ولو كان كاتمًا شيئًا من
الوحي لكتم هذه الآيات وآيات قصة زيد وزينب بنت جحش, فعلى الدعاة تقديم أهل الخير
والإيمان.


أما
النقطة الثانية:

في دفاع القرآن الكريم عن الصحابة، فقد كانت بالتخفيف عنهم، وكانت أهم وسائل
التخفيف بإظهار أن هذا الأذى الذي يلقونه لم يكن فريدًا من نوعه، وإنما حدث قبل
ذلك مثله وأشد منه كانت القصص التي تتحدث عن حياة الرسل في القرآن الكريم من لدن
نوح وإبراهيم وموسى وعيسى -عليهم السلام- تثبيتًا للمسلمين ولروح التضحية والصبر
فيهم من أجل الدين وبينت لهم القدوة الحسنة التي كانت في العصور القديمة من أنجح
الوسائل في ميادين الإعلام والتربية والتعليم, والعلاقات العامة، فالقصص القرآني
يحوي الكثير من العبر والحكم والأمثال.


كان أيضًا من أساليب القرآن في تخفيفه عن
الصحابة والدفاع عنهم أسلوبه في مدحهم ومدح أعمالهم في القرآن الكريم, يقرؤها
الناس إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، كما حدث مع الصديق لما أعتق سبع رقاب من
الصحابة لينقذهم من الأذى والتعذيب، في نفس الوقت الذي يندد فيه بأمية بن خلف الذي
كان يعذب بلال بن رباح، فالقرآن بدستوره الأخلاقي قد قدم قواعد الثواب والعقاب
وشجع المؤمنين وحذر المخالفين، وحمل هذا التنديد مغزى عميقًا، فقد أنار الطريق
للصحابة، وكان غمة وكربًا على نفوس الكفار المترددين، إذ جاء قول الله تعالى: ( فَأَنْذَرْتُكُمْ نَارًا تَلَظَّى ` لاَ يَصْلاَهَا إِلاَّ
الأشْقَى
` الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى ` وَسَيُجَنَّبُهَا الأتْقَى ` الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ
يَتَزَكَّى
` وَمَا لأحَدٍ عِنْدَهُ مِن نِّعْمَةٍ تُجْزَى ` إِلاَّ ابْتِغَاءَ وَجْهِ
رَبِّهِ الأعْلَى
` وَلَسَوْفَ يَرْضَى ) [الليل: 14-21].


وكذلك خلَّد القرآن ثبات وفد نصارى نجران
على الإسلام, رغم استهزاء الكفار ومحاولاتهم لصدهم عن الإسلام، لذا نزلت فيهم بعض
الآيات كما يذكر بعض المؤرخين قال تعالى: ( الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ مِن قَبْلِهِ هُم بِهِ يُؤْمِنُونَ ` وَإِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ
قَالُوا آمَنَّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّنَا إِنَّا كُنَّا مِن قَبْلِهِ
مُسْلِمِينَ
` أُولَئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُم مَّرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُوا
وَيَدْرَؤُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ
) [القصص: 52-54].


وكانت الآيات بعد ذلك تبشر الصحابة
بالثواب العظيم وبالنعيم المقيم في الجنة، جزاء بما صبروا وما تحملوا من الأذى،
وتشجيعًا لهم على الاستمرار في طريق الدعوة غير مبالين بما يسمعونه وما يلاقونه،
فالنصر والغلبة لهم في النهاية كما بين لهم النبي صلى
الله عليه وسلم
في أحاديثه، وكما بين لهم القرآن، كما بين القرآن الكريم في
نفس الوقت مصير أعدائهم, كفار مكة قال: ( إِنَّا
لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ
يَقُومُ الأشْهَادُ
` يَوْمَ لاَ يَنفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ
اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ
) [غافر: 51،52].


وبين فضل تمسكهم بالقرآن وإيمانهم به, قال
تعالى: ( إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ
كِتَابَ اللهِ وَأَقَامُوا الصَّلاَةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا
وَعَلاَنِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُورَ
` لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ
وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ
) [فاطر: 29،30].


وبين سبحانه فضل التمسك بعبادته رغم الأذى
والتعذيب، وبين جزاء الصبر على ذلك قال تعالى: ( أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ
الآَخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ
وَالَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الألْبَابِ
` قُلْ يَا عِبَادِ الَّذِينَ
آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ
وَأَرْضُ اللهِ وَاسِعَةٌ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ
حِسَابٍ
) [الزمر: 9،10].


وهكذا كان القرآن الكريم يخفف عن الصحابة
ويدافع عنهم، ويحصنهم ضد الحرب النفسية، وبذلك لم تؤثر تلك الحملات ووسائل التعذيب
على قلوب الصحابة؛ بفضل المنهج القرآني، والأساليب النبوية الحكيمة، لقد تحطمت كل
أساليب المشركين في محاربة الرسول صلى الله عليه وسلم
وأصحابه أمام العقيدة الصحيحة, والمنهج السليم الذي تشرَّبه الرعيل الأول.


سابعًا: أسلوب المفاوضات:


اجتمع المشركون يومًا، فقالوا: انظروا
أعلمكم بالسحر، والكهانة والشعر، فليأت هذا الرجل الذي فرق جماعتنا، وشتت أمرنا،
وعاب ديننا، فليكلمه، ولينظر ماذا يردُّ عليه؟ فقالوا: ما نعلم أحدًا غير عتبة بن
ربيعة، فقالوا: أنت يا أبا الوليد، فأتاه عتبة فقال: يا محمد أنت خير أم عبد
المطلب؟ فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم،قال:
فإن كنت تزعم أن هؤلاء خير منك فقد عبدوا الآلهة التي عبت، وإن كنت تزعم أنك خير
منهم، فتكلم حتى نسمع قولك، إنا والله ما رأينا سخلة قط أشأم على قومك منك، فرقت
جماعتنا، وشتت أمرنا، وعبت ديننا، وفضحتنا في العرب حتى لقد طار فيهم: أن في قريش
ساحرًا، وأن في قريش كاهنًا، والله ما ننتظر إلا مثل صيحة الحبلى، أن يقوم بعضنا
إلى بعض بالسيوف حتى نتفانى.


أيها
الرجل:

إن كان إنما بك الحاجة, جمعنا لك من أموالنا، حتى تكون أغنى قريش رجلاً، وإن كان
إنما بك - الباه - فاختر أي نساء قريش شئت فلنزوجك عشرًا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «فرغت؟»
قال: نعم، فقال رسول الله: ( حم ` تَنزِيلٌ مِّنَ الرَّحْمَنِ
الرَّحِيمِ
` كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِّقَوْمٍ
يَعْلَمُونَ
)
إلى أن بلغ ( فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ
أَنذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ
) فقال عتبة: حسبك، ما عندك غير هذا؟ قال: «لا» فرجع إلى قريش فقالوا: ما وراءك؟ قال: ما تركت شيئًا
أرى أنكم تكلمونه إلا كلمته، قالوا: فهل أجابك؟ فقال: نعم. وفي
رواية ابن إسحاق: فلما جلس إليهم قالوا: ما وراءك يا أبا الوليد؟ قال: ورائي أني
قد سمعت قولاً والله ما سمعت مثله قط، والله ما هو بالشعر ولا بالسحر ولا
بالكهانة. يا معشر قريش أطيعوني واجعلوها بي، وخلوا بين هذا الرجل وبين ما هو فيه
فاعتزلوا، فوالله ليكونن لقوله الذي سمعت منه نبأ عظيم، فإن تصبه العرب فقد
كفيتموه بغيركم، وإن يظهر على العرب فملكه ملككم وعزه عزكم، وكنتم أسعد الناس به،
قالوا: سحرك والله يا أبا الوليد بلسانه، قال: هذا رأيي فاصنعوا ما بدا لكم.

الموضوعالأصلي : السيره النبويه (12) المصدر : منتديات مملكة فلسطينى الكاتب: elkashif
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
elkashif
عضو مميز
عضو مميز
elkashif


الاوسمه الاوسمه : السيره النبويه (12) Empty
mms mms : قمة التحدى أن تبتسم وفى عينيك ألــــــــــف دمـعــــــه وقمة الحـــــزن أن تعشق ماليس لــــــــــــك
مدى نشاط الاعضاء مدى نشاط الاعضاء :
السيره النبويه (12) Left_bar_bleue50 / 10050 / 100السيره النبويه (12) Right_bar_bleue
الموقع الموقع : مصر
المزاج المزاج : السيره النبويه (12) Busy10
الجنس الجنس : ذكر
المهنه المهنه : السيره النبويه (12) Pharma10
عدد المساهمات عدد المساهمات : 761
نقاط المسابقات نقاط المسابقات : 200
نقاط نقاط : 16508
العمر العمر : 36
المزاج المزاج : مهموووووووووووووووم

بطاقة الشخصية
مرئى للجميع:
السيره النبويه (12) Left_bar_bleue1/1السيره النبويه (12) Empty_bar_bleue  (1/1)


تابع منتديات مملكة فلسطينى على توتير تابعنا على توتير
تابع منتديات مملكة فلسطينى على الفيس بوك تابعنا على الفيس بوك
تابع منتديات مملكة فلسطينى على جوجل بلس تابعنا على جوجل بلس
ـنضم لجروب مملكة فلسطينى على الفيس بوك أنضم لجروبنا على الفيس بوك
تابع منتديات مملكة فلسطينى على اليوتيوب تـــابعـنـا علــــى الــيـــــــــوتيوب
 راســـــــــــــــــــــــل الأداره  راســـــــــــــــــــــــــــــــل الأداره

www.battash.com

مُساهمةموضوع: رد: السيره النبويه (12) السيره النبويه (12) I_icon_minitimeالأربعاء 24 أغسطس - 9:23

دروس وعبر وفوائد:


أ- لم يدخل الرسول صلى
الله عليه وسلم
في معركة جانبية حول أفضليته على أبيه وجده أو أفضليتهما
عليه، ولو فعل ذلك لقضي الأمر دون أن يسمع عتبة شيئًا.


ب- لم يخض صلى الله
عليه وسلم
معركة جانبية حول العروض المغرية، وغضبه الشخصي لهذا الاتهام،
إنما ترك ذلك كله لهدف أبعد، وترك عقبة يعرض كل ما عنده، وبلغ من أدبه صلى الله عليه وسلم أن قال: «أفرغت
يا أبا الوليد؟»
فقال: نعم.


ج- كان جواب رسول الله صلى الله عليه وسلم حاسمًا، إن اختياره لهذه الآيات
لدليل على حكمته، وقد تناولت الآيات الكريمة قضايا رئيسية منها: إن هذا القرآن
تنزيل من الله، بيان موقف الكافرين وإعراضهم، بيان مهمة الرسول, وأنه بشر، بيان أن
الخالق واحد هو الله, وأنه خالق السماوات والأرض، بيان تكذيب الأمم السابقة وما
أصابها، وإنذار قريش صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود.


د- خطورة المال، والجاه، والنساء على الدعاة،
فكم سقط من الدعاة على الطريق تحت بريق المال، وكم عرضت الآلاف من الأموال على
الدعاة ليكفوا عن دعوتهم، والذين ثبتوا أمام إغراء المال هم المقتدون بالنبي صلى الله عليه وسلم، وخطورة الجاه واضحة؛ لأن الشيطان
في هذا المجال يزين ويغوي بطرق أكبر وأمكر وأفجر. والداعية الرباني هو الذي يتأسى
برسول الله صلى الله عليه وسلم في حركته وأقواله
وأفعاله, ولا ينسى الهدف الذي عاش له ويموت من أجله: ( قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي للهِ رَبِّ
الْعَالَمِينَ
` لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ
الْمُسْلِمِينَ
) [الأنعام: 162،163]، وأما النساء فقد قال صلى الله عليه
وسلم: «ما تركت فتنة على أمتي أضر على الرجال من النساء»
سواء كانت زوجة تثبط الهمة عن الدعوة والجهاد، أو تسليط بعض الفاجرات عليه ليسقطنه
في شباكهن، أو في تهيئة أجواء البغي والإثم والمجون ليرتادها خطوة بعد خطوة، أيًّا
كانت, فإنها فتنة عظيمة في الدين, فها هي قريش تعرض على رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءها، يختار عشرًا منهن، أجملهن
وأحسنهن يكن زوجات له, إن كان عاجزًا عن الزواج من أكثر من واحدة، إن خطر المرأة
حين لا تستقيم على منهج الله, أشد من خطر السيف المصلت على الرقاب, فعلى الدعاة أن
يقتدوا بسيد الخلق, ويتذكروا دائما قول يوسف عليه السلام: ( قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ
وَإِلاَّ تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُن مِّنَ
الْجَاهِلِينَ
` فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ
السَّمِيعُ الْعَلِيمُ
) [يوسف:33-34].


هـ- تأثر عتبة من موقف النبي صلى الله عليه وسلم: وكان هذا التأثير واضحًا لدرجة أن
أصحابه أقسموا على ذلك التأثير قبل أن يخبرهم، فبعد أن كان العدو ينوي القضاء على
الدعوة، إذا به يدعو لعكس ذلك, فيطلب من قريش أن تخلي بين محمد صلى الله عليه وسلم وما يريد.


و- استمع الصحابة لما حدث بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين عتبة، وكيف رفض حبيبهم صلى الله عليه وسلم كل عروضه المغرية، فكان ذلك درسًا
تربويًّا خالط أحشاءهم، تعلموا منه الثبات على المبدأ، والتمسك بالعقيدة، ووضع
المغريات تحت أقدام الدعاة.


ز- تعلم الصحابة من الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم الحلم ورحابة الصدر, فقد استمع صلى الله عليه وسلم إلى ترهات عتبة بن ربيعة ونيله منه
وقوله عنه: (إن في قريش ساحرًًا)، و(إن في قريش كاهنًا)، (ما رأينا سخلة أشأم على
قومك منك)، و(إن كان بك رَئِيٌّ من الجن) فقد أعرض عنه صلى
الله عليه وسلم
وأغض عن هذا السباب بحيث لا يصرفه ذلك دعوته وتبليغه إياها
لسيد بني عبد شمس, فقد كانت كل كلمة تصدر من سيد الخلق صلى
الله عليه وسلم
مبدأ يحتذى، وكل تصرف دينًا يتبع، وكل إغضاء خلقًا يتأسى
به.


وذكرت بعض كتب السيرة بأن قيادات مكة
دخلوا في مفاوضات بعد ذلك مع رسول الله صلى الله عليه
وسلم
وعرضوا عليه إغراءات تلين أمامها القلوب البشرية ممن أراد الدنيا,
وطمع في مغانمها إلا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
اتخذ موقفا حاسمًا في وجه الباطل دون مراوغة أو مداهنة, أو دخول في دهاء سياسي, أو
محاولة وجود رابطة استعطاف أو استلطاف مع زعماء قريش؛ لأن قضية العقيدة تقوم على
الوضوح والصراحة والبيان بعيدة عن المداهنة والتنازل؛ ولذلك رد رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما بي
ما تقولون, ما جئتكم بما جئتكم به أطلب أموالكم، ولا الشرف فيكم، ولا الملك عليكم،
ولكن الله بعثني إليكم رسولا، وأنزل علي كتابا وأمرني أن أكون لكم بشيرًا ونذيرًا
فبلغتكم رسالة ربي ونصحت لكم، فإن تقبلوا مني ما جئتكم به فهو حظكم من
الدنيا والآخرة، وإن تردوا علي أصبر لأمر الله حتى يحكم الله بيني وبينكم»
.


بهذا الموقف الإيماني الثابت رجع كيدهم في
نحورهم، وثبتت قضية من أخطر قضايا العقيدة الإسلامية وهي خلوص العقيدة من أي شائبة
غريبة عنها سواء في جوهرها أو في الوسيلة الموصلة إليها.


لكم دينكم ولي دين


ولما رأى المشركون صلابة المسلمين
واستعلاءهم بدينهم, ورفعة نفوسهم فوق كل باطل، ولما بدأت خطوط اليأس في نفوسهم من
أن المسلمين يستحيل رجوعهم عن دينهم سلكوا مهزلة أخرى من مهازلهم الدالة على طيش
أحلامهم, ورعونتهم الحمقاء، فأرسلوا إلى النبي صلى الله
عليه وسلم
الأسود بن عبد المطلب, والوليد بن المغيرة، وأمية بن خلف، والعاص
بن وائل، فقالوا: يا محمد، هلم فلنعبد ما تعبد, وتعبد ما نعبد، فنشترك نحن وأنت في
الأمر، فإن كان الذي تعبد خيرًا مما نعبد، كنا قد أخذنا بحظنا منه، وإن كان ما
نعبد خيرًا مما تعبد كنت قد أخذت بحظك منه». فأنزل الله فيهم: ( قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ ` لاَ أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ ` وَلاَ
أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ
` وَلاَ أَنَا عَابِدٌ مَّا
عَبَدتُّمْ
` وَلاَ أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ ` لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ
دِينِ
) [الكافرون].


ومثل هذه السورة آيات أخرى تشابهها في
إعلان البراء من الكفر وأهله, مثل
قوله تعالى: ( وَإِن كَذَّبُوكَ فَقُل لِّي
عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَا بَرِيءٌ
مِّمَّا تَعْمَلُونَ
) [يونس: 41].


وقوله تعالى ( قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ
اللهِ قُل لاَّ أَتَّبِعُ أَهْوَاءَكُمْ قَدْ ضَلَلْتُ إِذًا وَمَا أَنَا مِنَ
الْمُهْتَدِينَ
` قُلْ إِنِّي عَلَى بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّي وَكَذَّبْتُم بِهِ مَا
عِنْدِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ للهِ يَقُصُّ الْحَقَّ
وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ
) [الأنعام: 56،57].


ولقد بينت سورة الكافرون بأن طريق الحق
واحد لا عوج فيه، ولا فجاج له، إنه العبادة الخالصة لله وحده رب العالمين، فنزلت
هذه السورة على الرسول صلى الله عليه وسلم
للمفاصلة الحاسمة بين عبادة وعبادة، ومنهج ومنهج، وتصور وتصور، وطريق وطريق، نعم
نزلت نفيًا بعد نفي, وجزمًا بعد جزم، وتوكيدًا بعد توكيد، بأنه لا لقاء بين الحق
والباطل، ولا اجتماع بين النور والظلام، فالاختلاف جوهري كامل يستحيل معه اللقاء
على شيء في منتصف الطريق، والأمر لا يحتاج إلى مداهنة أو مراوغة، نعم فالأمر هنا
ليس مصلحة ذاتية، ولا رغبة عابرة، ولا سمًّا في عسل، وليس الدين لله والوطن للجميع
كما تزعم الجاهلية المعاصرة، ويدعي المنافقون والمستغربون الذين يتبعون الضالين
والمغضوب عليهم، ولا كما يعتقد الملحدون أعداء الله سبحانه في كل مكان، كان الرد
حاسمًا على زعماء قريش المشركين، ولا مساومة، ولا مشابهة، ولا حلول وسط، ولا
ترضيات شخصية، فإن الجاهلية جاهلية والإسلام إسلام، في كل زمان ومكان، والفارق
بينهم بعيد كالفرق بين التبر والتراب، والسبيل الوحيد هو الخروج عن الجاهلية
بجملتها إلى الإسلام بجملته عبادة وحكما، وإلا فهي البراءة التامة والمفاصلة
الكاملة والحسم الصريح بين الحق والباطل في كل زمان ( لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ ).


وجاء وفد آخر بعد فشل الوفد السابق، يتكون
من عبد الله بن أبي أمية، والوليد بن المغيرة، ومكرز بن حفص، وعمرو بن عبد الله بن
أبي قيس، والعاص بن عامر جاء ليقدم عرضًا آخر للتنازل عن بعض ما في القرآن، فطلبوا
من النبي صلى الله عليه وسلم أن ينزع من القرآن
ما يغيظهم من ذم آلهتهم، فأنزل الله لهم جوابًا حاسمًا، قال تعالى: ( وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ لاَ
يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ مَا
يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِن تِلْقَاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا
يُوحَى إِلَيَّ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ
) [يونس: 15].


وهذه الوفود والمفاوضات تبين مدى
الفشل الذي أصاب زعماء قريش في عدم حصولها على التنازل الكلي عن الإسلام، الأمر
الذي جعلها تلجأ إلى طلب الحصول على شيء من التنازل، ويلاحظ أن التنازل الذي طلبوه
في المرة الأولى، أكبر مما طلبوه في المرة الثانية، وهذا يدل على تدرجهم في
التنازل من الأكبر إلى الأصغر، علهم يجدون آذانًا صاغية لدى قائد الدعوة، كما أنهم
كانوا يغيرون الأشخاص المتفاوضين، فالذين تفاوضوا مع الرسول صلى الله عليه وسلم في المرة الأولى غير الذين تفاوضوا
معه في المرة الثانية، ما خلا الوليد بن المغيرة وذلك حتى لا تتكرر الوجوه، وفي
ذات الوقت تنويع الكفاءات, والعقول المفاوضة، فربما أثر ذلك في نظرهم بعض الشيء،
وفي هذا درس للدعاة إلى يوم القيامة؛ بأن لا تنازل عن الإسلام ولو كان هذا التنازل
شيئًا يسيرًا، فالإسلام دعوة ربانية ولا مجال فيها للمساومة إطلاقًا، مهما كانت
الأسباب والدوافع، والمبررات (وعلى الدعاة اليوم الحذر من مثل هذه العروض،
والإغراءات المادية، التي قد لا تعرض بطريق مباشر، فقد تأخذ شكلاً غير مباشر، في
شكل وظائف عليا، أو عقود عمل مجزية، أو صفقات تجارية مربحة، وهذا ما تخطط له
المؤسسات العالمية المشبوهة لصرف الدعاة عن دعوتهم وبخاصة القيادين منهم، وهناك
تعاون تام في تبادل المعلومات بين هذه المؤسسات التي تعمل من مواقع متعددة لتدمير
العالم الإسلامي) ولقد جاء في التقرير الذي قدمه (ريتشارد ب. ميشيل) أحد كبار
العاملين في مجال الشرق الأوسط، لرصد الصحوة الإسلامية، وتقديم النصح بكيفية
ضربها, جاء في هذا التقرير: وضع تصور لخطة جديدة يمكن من خلالها تصفية الحركات
الإسلامية، فكان من بين فقرات هذا التقرير فقرة خاصة بإغراء قيادات الدعوة، فاقترح
لتحقيق ذلك الإغراء ما يلي:


أ- تعيين من يمكن إغراؤهم بالوظائف العليا،
حيث يتم شغلهم بالمشروعات الإسلامية فارغة المضمون، وغيرها من الأعمال التي تستنفد
جهدهم، وذلك مع الإغداق عليهم أدبيًّا وماديًا، وتقديم تسهيلات كبيرة لذويهم،
وبذلك يتم استهلاكهم محليًّا، وفصلهم عن قواعدهم الجماهيرية.


ب- العمل على جذب ذوي الميول التجارية
والاقتصادية, إلى المساهمة في المشروعات ذات الأهداف المشبوهة، التي تقام في المنطقة
العربية لمصالح أعدائها.


ج- العمل على إيجاد فرص عمل, وعقود مجزية في
البلاد العربية الغنية، الأمر الذي يؤدي إلى بُعدهم عن النشاط الإسلامي.


فالمتدبر في النقاط الثلاث السابقة، يلاحظ
أنها إغراءات مادية غير مباشرة، وبنظرة فاحصة للعالم الإسلامي اليوم، نلاحظ أن هذه
النقاط تنفذ بكل هدوء, فقد أشغلت المناصب العليا بعض الدعاة، واستهلكت بعض الدول
العربية الغنية جمًا غفيرًا من الدعاة، وألهت التجارة بعضهم.


ثامنًا: أسلوب المجادلة ومحاولة
التعجيز:



كان النبي صلى
الله عليه وسلم
قد أقام الحجج والبراهين والأدلة على صحة دعوته, وكان صلى الله عليه وسلم يتقن اختيار الأوقات، وانتهاز الفرص
والمناسبات، ويقوى على الرد على الشبهات مهما كان نوعها، وقد استخدم في مجادلته مع
الكفار أساليب كثيرة, استنبطها من كتاب الله تعالى في إقامة الحجة العقلية,
واستخدام الأقيسة المنطقية, واستحضار التفكير والتأمل، ومن الأساليب التي استخدمها
صلى الله عليه وسلم مع كفار مكة:


1- أسلوب المقارنة:


وذلك بعرض أمرين: أحدهما هو الخير المطلوب
الترغيب فيه، والآخر هو الشر المطلوب الترهيب منه، وذلك باستثارة العقل, للتفكر في
كلا الأمرين, وعاقبتهما الوصول -بعد المقارنة- إلى تفضيل الخير واتِّباعه:


قال تعالى: ( أَوَ مَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا
يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ
مِّنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ
) [الأنعام: 122].


قال ابن كثير في تفسيره: «هذا مثل ضربه
الله تعالى للمؤمن الذي كان ميتًا أي: في الضلالة هالكًا حائرًا، فأحياه الله, أي:
أحيا قلبه بالإيمان وهداه له ووفقه لاتباع رسله».


2- أسلوب التقرير:


وهو أسلوب يؤول بالمرء بعد المحاكمة
العقلية, إلى الإقرار بالمطلوب, الذي هو مضمون الدعوة، قال تعالى: ( أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ ` أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ
وَالأَرْضَ بَل لاَّ يُوقِنُونَ
` أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمُ الْمُسَيْطِرُونَ ` أَمْ لَهُمْ سُلَّمٌ يَسْتَمِعُونَ
فِيهِ فَلْيَأْتِ مُسْتَمِعُهُم بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ
` أَمْ لَهُ الْبَنَاتُ وَلَكُمُ
الْبَنُونَ
` أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْرًا فَهُم مِّن مَّغْرَمٍ مُّثْقَلُونَ ` أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ
فَهُمْ يَكْتُبُونَ
` أَمْ يُرِيدُونَ كَيْدًا فَالَّذِينَ كَفَرُوا هُمُ الْمَكِيدُونَ ` أَمْ لَهُمْ إِلَهٌ غَيْرُ
اللهِ سُبْحَانَ اللهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ
` وَإِن يَرَوْا كِسْفًا مِّنَ
السَّمَاءِ سَاقِطًا يَقُولُوا سَحَابٌ مَّرْكُومٌ
` فَذَرْهُمْ حَتَّى يُلاَقُوا
يَوْمَهُمُ الَّذِي فِيهِ يُصْعَقُونَ
) [الطور: 35-45].


قال ابن كثير في تفسيره: «هذا المقام في
إثبات الربوبية وتوحيد الألوهية، فقال تعالى ( أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ ) أي أُوجدوا من غير موجد؟ أم هم أوجدوا
أنفسهم؟ أي لا هذا ولا هذا, بل الله هو الذي خلقهم وأنشأهم بعد أن لم يكونوا شيئًا
مذكورا».


وهذه الآية في غاية القوة من حيث الحجة
العقلية؛ لأن «وجودهم هكذا من غير شيء أمر ينكره منطق الفطرة ابتداء, ولا يحتاج
إلى جدال كثير أو قليل، أما أن يكونوا هم الخالقين لأنفسهم فأمر لم يدَّعوه، ولا
يدَّعيه مخلوق، وإذا كان هذان الفرضان لا يقومان بحكم منطق الفطرة, فإنه لا يبقى
سوى الحقيقة التي يقولها القرآن. وهي أنهم من خلق الله جميعا من خلق الله الواحد
الذي لا يشاركه أحد» والتعبير بالفطرة مضمون الأمر المقرر بداهة في العقل.


3- أسلوب الإمرار والإبطال:


وهو أسلوب قوي في إفحام المعاندين أصحاب
الغرور والصلف, بإمرار أقوالهم, وعدم الاعتراض على بعض حججهم الباطلة, منعًا للجدل
والنزاع خلوصًا إلى الحجة القاطعة تدمغهم وتبطل بها حجتهم تلك, فتبطل الأولى
بالتبع، وفي قصة موسى عليه السلام مع فرعون، نموذج مطول لهذا الأسلوب, حيث أعرض
موسى عن كل اعتراض وشبهة أوردها فرعون، ومضى إلى إبطال دعوى الألوهية لفرعون من
خلال إقامة الحجة العقلية الظاهرة على ربوبية الله وألوهية الله , وذلك في الآيات
من سورة الشعراء قال تعالى: ( قَالَ
فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ
` قَالَ رَبِّ السَّمَاوَاتِ
وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِن كُنْتُم مُّوقِنِينَ
` قَالَ لِمَنْ حَوْلَهُ أَلاَ
تَسْتَمِعُونَ
` قَالَ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمُ الأوَّلِينَ ` قَالَ إِنَّ رَسُولَكُمُ
الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ
` قَالَ رَبُّ الْمَشْرِقِ
وَالْمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِن كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ
` قَالَ لَئِنِ اتَّخَذْتَ
إِلَهًا غَيْرِي لأجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ
) [الشعراء: 23-29].


وهكذا كانت الأساليب القرآنية الكريمة, هي
الركيزة في مجادلة رسول الله صلى الله عليه وسلم
للمشركين، ولما احتار المشركون في أمر الرسول صلى الله
عليه وسلم
, ولم يكونوا على استعداد في تصديقه أنه رسول من عند الله, ليس
لأنهم يكذبونه, وإنما عنادًا وكفرًا، كما قال تعالى: ( قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ
لاَ يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللهِ يَجْحَدُونَ
) [الأنعام: 33].


لذلك هداهم تفكيرهم المعوج أن يطلبوا من
الرسول عليه السلام مطالب, ليس الغرض منها التأكد من صدق النبي صلى الله عليه وسلم, ولكن غرضهم منها التعنت والتعجيز,
وهذا ما طلبوه من الرسول عليه الصلاة والسلام:


أ- أن يفجر لهم من الأرض ينبوعا: أي يجري لهم
الماء عيونًا جارية.


ب- أو تكون له جنة من نخيل وأعناب يفجر
الأنهار خلالها تفجيرًا، أي تكون له حديقة فيها النخل والعنب, والأنهار تتفجر
بداخلها.


ج- أو يسقط السماء كسفًا: أي يسقط السماء
قطعًا كما سيكون يوم القيامة.


د- أو يأتي بالله والملائكة قبيلاً.


هـ- أو يكون له بيت من زخرف: أي ذهب.


و- أو يرقى في السماء: أي يتخذ سلمًا يرتقي
عليه ويصعد إلى السماء.


ز- إنزال كتاب من السماء يقرؤونه، يقول
مجاهد: أي مكتوب فيه إلى كل واحد صحيفة,هذا كتاب من الله لفلان ابن فلان تصبح
موضوعة عند رأسه.


ح- لبوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يدعو لهم فيسير لهم الجبال،
ويقطع الأرض، ويبعث من مضى من آبائهم من الموتى.


إن عملية طلب الخوارق والمعجزات هي خطة
متبعة على مدى تاريخ البشرية الطويل، ورغم حرص النبي صلى
الله عليه وسلم
على إيمان قومه، وتفانيه في ذلك، لكن التربية الربانية التي
تلقاها من ربه، والأدب النبوي الذي تأدب عليه، جعله يرفض طلب المعجزة وإنما كانت
إجابته صلى الله عليه وسلم:


«ما بهذا بعثت إليكم، إنما
جئتكم من الله بما بعثني به، وقد بلغتكم ما أرسلت به إليكم، فإن تقبلوه فهو حظكم
في الدنيا والآخرة، وإن تردوه علي، أصبر لأمر الله تعالى حتى يحكم الله بيني
وبينكم»
.


وانصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أهله حزينًا أسفًا لما فاته مما طمع فيه من
قومه حين دعوه، ولما رأى من مباعدتهم إياه, وقد ذكر الله سبحانه وتعالى هذه
التعنتات والرد عليها في قوله سبحانه ( وَقَالُوا
لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الأَرْضِ يَنْبُوعًا
` أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ
مِّن نَّخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الأنْهَارَ خِلاَلَهَا تَفْجِيرًا
` أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاءَ
كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا أَوْ تَأْتِيَ بِاللهِ وَالْمَلاَئِكَةِ
قَبِيلاً
` أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِّن زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاءِ
وَلَن نُّؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَّقْرُؤُهُ
قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنتُ إِلاَّ بَشَرًا رَّسُولاً
` وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَن
يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَى إِلاَّ أَن قَالُوا أَبَعَثَ اللهُ بَشَرًا
رَّسُولاً
` قُل لَّوْ كَانَ فِي الأَرْضِ مَلائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ
لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِم مِّنَ السَّمَاءِ مَلَكًا رَّسُولاً
` قُلْ كَفَى بِاللهِ شَهِيدًا
بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا
) [الإسراء: 90-96].


ونزل قوله تعالى: ( وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ
الأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى بَل للهِ الأمْرُ جَمِيعًا أَفَلَمْ
يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُوا أَن لَّوْ يَشَاءُ اللهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعًا
وَلاَ يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُمْ بِمَا صَنَعُوا قَارِعَةٌ أَوْ
تَحُلُّ قَرِيبًا مِّن دَارِهِمْ حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللهِ إِنَّ اللهَ لاَ
يُخْلِفُ الْمِيعَادَ
)


[الرعد: 31].


إن الحكمة في أنهم لم يجابوا لما طالبوا،
لأنهم لم يسألوا مسترشدين وجادين، وإنما سألوا متعنتين ومستهزئين، وقد علم الحق
سبحانه أنهم لو عاينوا وشاهدوا ما طلبوا لما آمنوا، وللجُّوا في طغيانهم يعمهون،
ولظلوا في غيهم وضلالهم يترددون، قال سبحانه: ( وَأَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ جَاءَتْهُمْ آيَةٌ
لَّيُؤْمِنُنَّ بِهَا قُلْ إِنَّمَا الآَيَاتُ عِنْدَ اللهِ وَمَا يُشْعِرُكُمْ
أَنَّهَا إِذَا جَاءَتْ لاَ يُؤْمِنُونَ
` وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ
وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي
طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ
` وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ الْمَلاَئِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ
الْمَوْتَى وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلاً مَّا كَانُوا
لِيُؤْمِنُوا إِلاَّ أَن يَشَاءَ اللهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ
) [الأنعام: 109-111].


ولهذا اقتضت الحكمة الإلهية والرحمة
الربانية ألا يجابوا على ما سألوا؛ لأن سنته سبحانه أنه إذا طلب قوم آيات فأجيبوا،
ثم لم يؤمنوا, عذَّبهم عذاب الاستئصال كما فعل بعاد وثمود وقوم فرعون.


وليس أدل على أن القوم كانوا متعنتين
وساخرين، ومعوقين لا جادين, من أن عندهم القرآن وهو آية من الآيات، وبينة البينات،
ولذلك لما سألوا ما اقترحوا من هذه الآيات وغيرهم رد عليهم سبحانه بقوله: ( وَقَالُوا لَوْلاَ أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَاتٌ مِّن رَّبِّهِ قُلْ
إِنَّمَا الآَيَاتُ عِنْدَ اللهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُّبِينٌ
` أَوَ لَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا
أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً
وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ
` قُلْ كَفَى بِاللهِ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ شَهِيدًا يَعْلَمُ مَا فِي
السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَالَّذِينَ آمَنُوا بِالْبَاطِلِ وَكَفَرُوا بِاللهِ
أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ
) [العنكبوت: 50-52].


وقد ذكر عبد الله بن عباس رواية
مفادها: أن قريشا قالت للنبي صلى الله عليه وسلم
ادعُ لنا ربك أن يجعل لنا الصفا ذهبًا ونؤمن بك, قال: وتفعلون؟ قالوا: نعم، قال
فدعاه: فأتاه جبريل فقال: إن ربك –عز وجل– يقرأ عليك السلام، ويقول إن شئت أصبح
لهم الصفا ذهبًا، فمن كفر بعد ذلك منهم عذبته عذابًا لا أعذبه أحدًا من العالمين،
وإن شئت فتحت لهم أبواب التوبة، والرحمة، فقال: بل باب التوبة والرحمة، فأنزل الله
تعالى: ( وَمَا مَنَعَنَا أَن نُّرْسِلَ
بِالآَيَاتِ إِلاَّ أَن كَذَّبَ بِهَا الأوَّلُونَ وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ
مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِهَا وَمَا نُرْسِلُ بِالآَيَاتِ إِلاَّ تَخْوِيفًا
)[الإسراء: 59].


لقد كان هدف زعماء قريش من تلك المطالب,
هو شن حرب إعلامية ضد الدعوة والداعية, والتآمر على الحق, كي تبتعد القبائل
العربية عنه صلى الله عليه وسلم؛ لأنهم يطالبون
بأمور يدركون أنها ليست طبيعة هذه الدعوة؛ ولهذا أصروا عليها، بل لقد صرحوا بأن لو
تحقق شيء من ذلك فلن يؤمنوا أيضا بهذه الدعوة، وهذا كله محاولة منهم لإظهار عجز
الرسول صلى الله عليه وسلم واتخاذ ذلك ذريعة لمنع
الناس عن اتباعه.


تاسعًا: دور اليهود في العهد المكي
واستعانة مشركي مكة بهم:



تحدث القرآن الكريم عن بني إسرائيل طويلاً
في سور كثيرة, بلغت خمسين سورة في المرحلة المكية، وفي المرحلة المدنية, كان دور
اليهود كبيرًا في محاولة إطفاء نور الله, والقضاء على دعوة الإسلام, وعلى حياة رسول
الله صلى الله عليه وسلم، ولم تحظ ملة من الملل؛
ولا قوم من الأقوام بالحديث عنهم بمثل هذا الشمول, وهذه التفصيلات ما حظي به
اليهود، وحديث القرآن عنهم يتسم بمنهج دقيق يتناسب مع المراحل الدعوية التي مرت
بها دعوة الإسلام، فقد جاءت الآيات الكريمة تشير إلى أن غفلة المشركين عن الحق
الذي جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم وعدم
اكتراثهم به وبدعوته, له نماذج بشرية تقدمتهم، مثل عاد وثمود وفرعون وبني إسرائيل
وقوم تبع، وأصحاب الرس


عندما وجدت قريش نفسها عاجزة أمام دعوة
الحق، وكان المعبر عن هذا العجز, النضر بن الحارث الذي صرح قائلا: «يا معشر قريش
إنه والله قد نزل بكم أمر ما أوتيتم له بحيلة بعد.. فانظروا في شأنكم, فإنه والله
لقد نزل بكم أمر عظيم» فقرروا بعد ذلك إرسال النضر بن الحارث وعقبة بن أبي معيط,
إلى أحبار اليهود بالمدينة, لمعرفة حقيقة هذه الدعوة, لا لكي يتبعوها، ولكن
لإدراكهم أن اليهود قد يمدونهم بأشياء تظهر عجز الرسول صلى
الله عليه وسلم
لمعرفة زعماء مكة بحقد اليهود المنصب على الأنبياء جميعًا
وأصحاب الحق أينما كانوا، كانت بعثة المصطفى صلى الله
عليه وسلم
صدمة قوية لليهود؛ وذلك لأنهم عاشوا في جزيرة العرب على حلم توارثوه
طوال السنين الماضية, وهو أنه سيُبعث نبي مخلص في ذلك الزمان والمكان، فرجوا أن
يكون منهم، آملين أن يخلصهم من الفرقة والشتات الذي كانوا فيه.


كان التقارب بين معسكر الكفر والشرك مع
اليهود, ينسجم مع أهدافهم المشتركة للقضاء على دعوة الإسلام، ولذلك زودوا الوفد
المكي ببعض الأسئلة محاولة لتعجيز النبي صلى الله عليه
وسلم
.


عن ابن عباس قال: بعثت قريش النضر بن الحارث وعقبة بن أبي
معيط إلى أحبار اليهود بالمدينة، فقالوا لهم: سلوهم عن محمد, وصفوا لهم صفته,
وأخبروهم بقوله، فإنهم أهل الكتاب الأول، وعندهم علم ما ليس عندنا من علم
الأنبياء، فخرجا حتى قدما المدنية، فسألا أحبار يهود عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ووصفا لهم أمره وبعض قوله, وقالا:
إنكم أهل التوراة، وقد جئناكم لتخبرونا عن صاحبنا هذا، قال: فقالت لهم أحبار يهود:
سلوه عن ثلاث نأمركم بهن، فإن أخبركم بهن فهو نبي مرسل، وإن لم يفعل فالرجل متقول،
فروا فيه رأيكم: سلوه عن فتية ذهبوا في الدهر الأول ما كان من أمرهم؟ فإنه قد كان
لهم حديث عجيب، وسلوه عن رجل طواف بلغ مشارق الأرض ومغاربها ما كان نبؤه؟ وسلوه عن
الروح, ما هو؟ فإن أخبركم بذلك فإنه نبي فاتبعوه، وإن هو لم يخبركم فهو رجل متقول
فاصنعوا في أمره ما بدا لكم.


فأقبل النضر وعقبة حتى قدما مكة على قريش
فقالا: يا معشر قريش، قد جئناكم بفصل ما بينكم وبين محمد، قد أمرنا أحبار يهود أن
نسأله عن أمور، فأخبروهم بها، فجاءوا رسول الله صلى الله
عليه وسلم
فقالوا: يا محمد، أخبرنا، فسألوه عما أمروهم به، فقال لهم رسول
الله صلى الله عليه وسلم: أخبركم غدًا بما سألتم
عنه، ولم يستثن فانصرفوا عنه، فمكث رسول الله صلى الله
عليه وسلم
خمس عشرة ليلة لا يحدث الله إليه في ذلك وحيًا، ولا يأتيه جبريل
عليه السلام، حتى أرجف أهل مكة وقالوا: وعدنا محمدًا غدًا واليوم خمس عشرة، قد
أصبحنا فيها لا يخبرنا بشيء مما سألناه عنه، وحتى أحزن رسول الله صلى الله عليه وسلم مُكْثُ الوحي عنه، وشق عليه ما
يتكلم به أهل مكة، ثم جاءه جبريل عليه السلام من الله عز وجل بسورة أصحاب الكهف
فيها معاتبته إياه على حزنه عليهم، وخبر ما سألوه عنه من أمر الفتية والرجل
الطواف، وقول الله عز وجل: ( وَيَسْأَلُونَكَ
عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ
إِلاَّ قَلِيلاً
).


كانت سورة الكهف قد احتوت على الإجابة
لأسئلتهم, وإشارة إلى أن كهفًا من عناية الله سوف يأوي هؤلاء المستضعفين من أصحاب
محمد صلى الله عليه وسلم, كما آوى الكهف الجبلي
الفتية المؤمنين الفارين بدينهم من الفتنة.


وأن نفوسًا ستبش في وجوه هذه العصبة, من
أنصار دين الله في يثرب, بالقرب من الذين عاضدوا قريشًا في شكهم، وحاولوا معهم طمس
نور الحق بتلقينهم المنهج التعجيزي في التثبت في أمر النبوة, وهو منهج غير سليم،
فمتى كانت الأسئلة التعجيزية وسيلة التحقق من صدق الرسالة وصاحبها، فهذا نبي الله
موسى عليه السلام وهو من أعظم أنبياء بني إسرائيل لم يعلم تأويل الأحداث الثلاثة
التي جرت أمامه، وأنكر على الخضر تصرفاته, على الرغم من تعهده أن لا يسأله عن شيء
حتى يحدث له منه ذكرًا، على الرغم من كل ذلك لم تؤثر الأحداث وما دار حولها في
نبوة موسى عليه السلام شيئا، ولم يشكك بنو إسرائيل في نبوته, فلم يجعلوا مثل هذه
الأسئلة أسلوبًا للتحقق من صدق الرسالة.


جعل الله هذه المناسبة وسيلة للإشارة إلى
قرب الفرج للعصبة المؤمنة ليجدوا مأوى كما وجد الفتية المأوى، وليبش في وجوههم أهل
المدينة كما بش أهل المدينة في وجه هؤلاء الفتية, ثم ذهبوا إليهم ليكرموهم
وليخلدوا ذكراهم.


عاشرًا: الحصار الاقتصادي
والاجتماعي في آخر العام السابع من البعثة:



ازداد إيذاء المشركين من قريش, أمام صبر
الرسول صلى الله عليه وسلم والمسلمين على الأذى
وإصرارهم على الدعوة إلى الله، وإزاء فشو الإسلام في القبائل، وبلوغ الأذى قمته في
الحصار المادي والمعنوي, الذي ضربته قريش ظلمًا وعدوانًا على النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه, ومن عطف عليهم من قرابتهم.



قال الزهري: «ثم إن المشركين اشتدوا على
المسلمين كأشد ما كانوا, حتى بلغ المسلمين الجهد، واشتد عليهم البلاء، واجتمعت
قريش في مكرها, أن يقتلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم
علانية، فلما رأى أبو طالب عمل القوم جمع بني عبد المطلب, وأمرهم أن يدخلوا رسول
الله صلى الله عليه وسلم شعبهم, ويمنعوه ممن أراد
قتله، فاجتمعوا على ذلك مسلمهم وكافرهم، فمنهم من فعله حمية، ومنهم من فعله
إيمانًا ويقينًا، فلما عرفت قريش أن القوم قد منعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم, فأجمعوا أمرهم ألا يجالسوهم ولا
يبايعوهم ولا يدخلوا بيوتهم حتى يسلموا رسول الله صلى
الله عليه وسلم
للقتل، وكتبوا في مكرهم صحيفة وعهودًا ومواثيق، لا يتقبلوا
من بني هاشم أبدًا صلحًا، ولا يأخذهم بهم رأفة حتى يسلموه للقتل.


وفي رواية: ... على ألا ينكحوا إليهم ولا
ينكحوهم، ولا يبيعوهم شيئًا ولا يبتاعوا منهم، ولا يدعوا سببًا من أسباب الرزق يصل
إليهم، ولا يقبلوا منهم صلحًا، ولا تأخذهم بهم رأفة، ولا يخالطوهم، ولا يجالسوهم،
ولا يكلموهم، ولا يدخلوا بيوتهم، حتى يسلموا إليهم رسول الله للقتل، ثم تعاهدوا
وتواثقوا على ذلك، ثم علقوا الصحيفة في جوف الكعبة توكيدا على أنفسهم.


فلبث بنو هاشم في شعبهم ثلاث سنين، واشتد
عليهم البلاء والجهد، وقطعوا عنهم الأسواق، فلا يتركوا طعاما يقدم من مكة ولا
بيعًا إلا بادروهم إليه فاشتروه، يريدون بذلك أن يدركوا سفك دم رسول الله صلى الله عليه وسلم.


وكان أبو طالب إذا أخذ الناس مضاجعهم أمر
رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتى فراشه, حتى
يراه من أراد به مكرًا أو غائلة، فإذا نام الناس أخذ أحد بنيه أو إخواته أو بني
عمه, فاضطجع على فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم,
وأمر رسول الله أن يأتي بعض فرشهم فيرقد عليها.


واشتد الحصار على الصحابة, وبني هاشم,
وبني المطلب, حتى اضطروا إلى أكل ورق الشجر، وحتى أصيبوا بظلف العيش وشدته، إلى حد
أن أحدهم يخرج ليبول فيسمع بقعقعة شيء تحته، فإذا هي قطعة من جلد بعير فيأخذها
فيغسلها، ثم يحرقها ثم يسحقها، ثم يستفها، ويشرب عليها الماء فيتقوى بها ثلاثة
أيام، وحتى لتسمع قريش صوت الصبية يتضاغون من وراء الشِّعب من الجوع.


فلما كان رأس ثلاث سنين، قيض الله سبحانه
وتعالى لنقض الصحيفة أناسًا من أشراف قريش، وكان الذي تولى الانقلاب الداخلي لنقض
الصحيفة هشام بن عمرو الهاشمي، فقصد زهير بن أبي أمية المخزومي، وكانت أمه عاتكة
بنت عبد المطلب, فقال له: يا زهير، أقد رضيت أن تأكل الطعام، وتلبس الثياب وتنكح
النساء، وأخوالك حيث قد علمت؟ لا يبتاعون، ولا يبتاع منهم، ولا ينكحون ولا ينكح
إليهم، أما إني أحلف بالله لو كانوا أخوال أبي الحكم بن هشام، ثم دعوته إلى مثل ما
دعاك إليه منهم, ما أجابك إليه أبدًا, قال: ويحك يا هشام فماذا أصنع؟ إنما أنا رجل
واحد، والله لو كان معي رجل آخر لقمت في نقضها، فقال له: قد وجدت رجلاً، قال: من
هو؟ قال: أنا، فقال له زهير: أبغنا ثالثا.


فذهب إلى المطعم بن عدي، فقال له: أقد
رضيت أن يهلك بطنان من بني عبد مناف، وأنت شاهد على ذلك، موافق لقريش فيهم؟ أما
والله لو أمكنتموهم من هذه لتجدنهم إليها منكم سراعًا قال: ويحك فماذا أصنع؟ إنما
أنا رجل واحد قال: قد وجدت لك ثانيًا: قال من؟ قال: أنا، قال: أبغنا ثالثًا: قال:
قد فعلت، قال: من؟ قال زهير بن أبي أمية، فقال أبغنا رابعًا، فذهب إلى أبي البختري
بن هشام، فقال له نحو ما قال للمطعم بن عدي، فقال له: ويحك وهل نجد أحد يعين على
ذلك؟ قال: نعم، زهير بن أبي أمية، والمطعم بن عدي، وأنا، فقال: أبغنا خامسًا، فذهب
إلى زمعة بن الأسود بن المطلب بن أسد، فكلمه وذكر له قرابته وحقهم، فقال له: وهل
على هذا الأمر الذي تدعوني إليه من أحد؟ قال نعم، ثم سمى له القوم، فاتَّعدوا خطم
الحجون ليلاً بأعلى مكة، فاجتمعوا هناك، وأجمعوا أمرهم، وتعاقدوا على القيام في
الصحيفة حتى ينقضوها، وقال زهير: أنا أبدؤكم فأكون أول من يتكلم، فلما أصبحوا غدوا
إلى أنديتهم، وغدا زهير بن أبي أمية عليه حلة، فطاف بالبيت سبعًا، ثم أقبل على
الناس فقال: أنأكل الطعام، ونلبس الثياب، وبنو هاشم هلكى لا يبتاعون، ولا يبتاع
منهم، والله لا أقعد حتى تشق هذه الصحيفة القاطعة الظالمة، فقال أبو جهل، وكان في
ناحية المسجد: كذبت والله لا تشق، فقال زمعة ابن الأسود: أنت والله أكذب ما رضينا
كتابتها حين كُتبت، فقال أبو البختري: صدق زمعة لا نرضى ما كُتبت فيها، ولا نقر
به، فقال المطعم بن عدي: صدقتما، وكذب من قال غير ذلك، نبرأ من الله منها ومما كتب
فيها، وقال هشام بن عمرو نحوًا من ذلك؟ فقال أبو جهل: هذا أمر قضي بليل، تُشووِر
فيه في غير هذا المكان، وأبو طالب جالس في ناحية المسجد لا يتكلم.


وقام المعطم بن عدي إلى الصحيفة ليشقها،
فوجد الأرضة قد أكلتها إلا (باسمك اللهم)، وروى ابن إسحاق أن الله عز
وجل أرسل على الصحيفة الأرضة فلم تدع فيها اسمًا لله عز وجل إلا أكلته، وبقي فيها الظلم
والقطعية والبهتان وأخبر رسول
الله صلى الله عليه وسلم بذلك عمه فذهب أبو طالب
إلى قومه وأخبرهم بذلك، وقال لهم: فإن كان كاذبًا فلكم علي أن أدفعه إليكم
تقتلونه، وإن كان صادقًا فهل ذلك ناهيكم عن تظاهركم علينا؟ فأخذ عليهم المواثيق
وأخذوا عليه، فلما نشروها فإذا هي كما قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم
فقال المطعم بن عدي وهشام بن عمرو: نحن براء من هذه الصحيفة
القاطعة العادية الظالمة، ولن نمالئ أحدًا في فساد أنفسنا وأشرافنا، وتتابع على
ذلك ناس من أشراف قريش فخرجوا من الشِّعب.


دروس وعبر وفوائد:


1- إن مشركي بني هاشم وبني المطلب تضامنوا مع
رسول الله صلى الله عليه وسلم وحموه كأثر من
أعراف الجاهلية، ومن هنا ومن غيره نأخذ أنه يسع المسلم أن يستفيد من قوانين الكفر
فيما يخدم الدعوة, على أن يكون ذلك مبنيًّا على فتوى صحيحة من أهلها.


2- إن حقوق الإنسان في عصرنا ضمان للمسلم،
والحرية الدينية في كثير من البلدان يستفاد منها، وقوانين كثيرة من أقطار العالم
تعطي للمسلمين فرصًا وعلى المسلمين أن يستفيدوا من ذلك وغيره من خلال موزانات
دقيقة.


3- من المهم أن تعلم بأن حماية أقارب رسول
الله صلى الله عليه وسلم له، لم تكن حماية
للرسالة التي بعث بها، وإنما كانت لشخصه من الغريب، وإذا أمكن أن تستغل هذه
الحماية من قبل المسلمين كوسيلة من وسائل الجهاد والتغلب على الكافرين والرد
لمكائدهم وعدوانهم فأنعم بذلك من جهد مشكور وسبيل ينتبهون إليها.


4- انتصر أبو طالب في غزو المجتمع القرشي
بقصائده الضخمة, التي هزت كيانه هزًّا وتحرك لنقض الصحيفة من ذكرنا من قبل، أولئك
الخمسة الذين يمتون بصلة قرابة أو رحم لبني هاشم, وبني المطلب واستطاعوا أن يرفعوا
هذا الظلامة, وهذا الحيف عن المسلمين وأنصارهم وحلفائهم وخططوا له ونجحوا فيه وفي
هذا الموقف إشارة إلى أن كثيرًا من النفوس, والتي تبدو في ظاهر الأمر من أعمدة
الحكم الجاهلي، قد تملك في أعماقها رفضًا لهذا الظلم والبغي، وتستغل الفرصة
المناسبة لإزاحته، وعلى أبناء المسلمين أن يهتموا بهذه الشرائح، وينفذوا إلى
أعماقها، وتوضح لهم حقيقة القرآن الكريم, والسنة النبوية الشريفة، وتبين لها طبيعة
العداء بين الإسلام واليهود والصليبيين والعلمانية، فقد يستفاد منهم في خدمة
الإسلام.


5- وظاهرة أبي لهب تستحق الدراسة والعناية؛
لأنها تتكرر في التاريخ الإسلامي، فقد يجد الدعاة من أقرب حلفائهم من يقلب لهم ظهر
المجن، ويبالغ في إيذاء الدعاة، وحربهم أكثر بكثير يلقونه من خصومهم الألداء
الأشداء.


6- كانت تعليمات الرسول صلى الله عليه وسلم لأفراد المسلمين ألاَّ يواجهوا
العدو، وأن يضبطوا أعصابهم، فلا يشعلوا فتيل المعركة, أو يكونوا وقودها، وإن أعظم
تربية في هذه المرحلة هي صبر أبطال الأرض على هذا الأذى, دون مقاومة. حمزة وعمر،
وأبو بكر وعثمان، وغيرهم رضي الله عنهم، سمعوا وأطاعوا، فلقوا كل هذا الأذى وهذا
الحقد، وهذا الظلم، فكفوا أيديهم، وصبروا ليس على حادثة واحدة فقط، أو يومًا
واحدًا فقط بل ثلاث سنين عجاف, تحترق أعصابهم ولا يسمح لهم برمية سهم أو شجة رأس.


7- أثبتت الأحداث عظمة الصف المؤمن, في
التزامه بأوامر قائده، وبعده عن التصرفات الطائشة، فلم يكن شيء أسهل من اغتيال أبي
جهل، وإشعال معركة غير مدروسة لا يعلم إلا الله مداها، وغير متكافئة.


8- كانت الدعوة الإسلامية تحقق انتصارات
رائعة في الحبشة، وفي نجران، وفي أزد شنوءة، وفي دَوْس، وفي غفار، وكانت تتم في

الموضوعالأصلي : السيره النبويه (12) المصدر : منتديات مملكة فلسطينى الكاتب: elkashif
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
elkashif
عضو مميز
عضو مميز
elkashif


الاوسمه الاوسمه : السيره النبويه (12) Empty
mms mms : قمة التحدى أن تبتسم وفى عينيك ألــــــــــف دمـعــــــه وقمة الحـــــزن أن تعشق ماليس لــــــــــــك
مدى نشاط الاعضاء مدى نشاط الاعضاء :
السيره النبويه (12) Left_bar_bleue50 / 10050 / 100السيره النبويه (12) Right_bar_bleue
الموقع الموقع : مصر
المزاج المزاج : السيره النبويه (12) Busy10
الجنس الجنس : ذكر
المهنه المهنه : السيره النبويه (12) Pharma10
عدد المساهمات عدد المساهمات : 761
نقاط المسابقات نقاط المسابقات : 200
نقاط نقاط : 16508
العمر العمر : 36
المزاج المزاج : مهموووووووووووووووم

بطاقة الشخصية
مرئى للجميع:
السيره النبويه (12) Left_bar_bleue1/1السيره النبويه (12) Empty_bar_bleue  (1/1)


تابع منتديات مملكة فلسطينى على توتير تابعنا على توتير
تابع منتديات مملكة فلسطينى على الفيس بوك تابعنا على الفيس بوك
تابع منتديات مملكة فلسطينى على جوجل بلس تابعنا على جوجل بلس
ـنضم لجروب مملكة فلسطينى على الفيس بوك أنضم لجروبنا على الفيس بوك
تابع منتديات مملكة فلسطينى على اليوتيوب تـــابعـنـا علــــى الــيـــــــــوتيوب
 راســـــــــــــــــــــــل الأداره  راســـــــــــــــــــــــــــــــل الأداره

www.battash.com

مُساهمةموضوع: رد: السيره النبويه (12) السيره النبويه (12) I_icon_minitimeالأربعاء 24 أغسطس - 9:25

9- كانت هذه السنوات الثلاثة للجيل الرائد,
زادًا عظيمًا في البناء والتربية, حيث ساهم بعضه في تحمل آلام الجوع والخوف،
والصبر على الابتلاء، وضبط الأعصاب، والضغط على النفوس والقلوب، ولجم العواطف عن
الانفجار.


10- كانت بعض الشخصيات في الصف المشرك, تبني
في داخلها بالتربية النبوية، وتتأثر بعظمة شخصية النبي صلى
الله عليه وسلم
، وتتفاعل في أعماقها مع المبادئ التي يقدمها الدين الجديد،
لكن سيطرة الملأ وسطوة الكبراء, كانت تحول دون إبراز هذا التفاعل وهذا الحب وهذه
التربية، وختام قصة الصحيفة تقدم لنا أجلى بيان عن ذلك.


11- قيام الحجج الدامغة والبراهين الساطعة,
والمعجزات الخارقة لا يؤثر في أصحاب الهوى وعبدة المصالح والمنافع؛ لأنهم يلغون
عقولهم عن التدبر، ويصمون آذانهم عن سماع الحق، ويغمضون أعينهم عن النظر والتأمل
والاهتداء إلى الحق بعد قيام الأدلة عليه، فلقد أخبرهم أبو طالب بما اخبر به
الرسول صلى الله عليه وسلم بما حدث للصحيفة من
أكل الأرضة لها وبقاء اسم الله فقط (باسمك اللهم) ورأوا ذلك بأم أعينهم فما آمن
منهم أحد، إنه الهوى الذي يُغشي عن الحق، ويصم الآذان عن سماعه.


12- كانت حادثة المقاطعة الاقتصادية
والاجتماعية سببًا في خدمة الدعوة والدعاية لها بين قبائل العرب، فقد ذاع الخبر في
كل القبائل العربية من خلال موسم الحج, ولفت أنظار جميع الجزيرة العربية إلى هذه
الدعوة التي يتحمل صاحبها وأصحابه الجوع والعطش والعزلة لكل هذا الوقت، أثار ذلك
في نفوسهم أن هذه الدعوة حق، ولولا ذلك لما تحمل صاحب الرسالة وأصحابه كل هذا
الأذى والعذاب.


13- أثار هذا الحصار سخط العرب على كفار مكة
لقسوتهم على بني هاشم وبني المطلب، كما أثار عطفهم على النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فما أن انفك الحصار حتى
أقبل الناس على الإسلام، وحتى ذاع أمر هذه الدعوة وتردد صداها في كل بلاد العرب،
وهكذا ارتد سلاح الحصار الاقتصادي على أصحابه، وكان عاملاً قويًّا من عوامل انتشار
الدعوة الإسلامية عكس ما أراد زعماء الشرك تمامًا.


14- كان لوقوف بني هاشم وبني المطلب مع رسول
الله وتحملهم معه الحصار الاقتصادي والاجتماعي أثر في الفقه الإسلامي، حيث إن سهم
ذوي القربى من الخمس يعطى لبني هاشم وبني المطلب, ويوضح ابن كثير هذا الحكم لدى
تفسيره قوله تعالى: ( وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُم
مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ للهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى
وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِن كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللهِ
وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى
الْجَمْعَانِ وَاللهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ
) [الأنفال: 41].


فيقول: «وأما سهم ذوي القربى, فإنه يصرف
إلى بني هاشم, وبني المطلب؛ لأن بني المطلب وازروا بني هاشم في الجاهلية, وفي أول
الإسلام، ودخلوا معهم في الشعب غضبًا لرسول الله صلى
الله عليه وسلم
وحماية لهم، مسلمهم طاعة لله ورسوله وكافرهم حمية للعشيرة
وأنفة وطاعة لأبي طالب، وأما بنو عبد شمس, وبنو نوفل, وإن كانوا بني عمهم, فلم
يوافقوهم على ذلك, بل حاربوهم ونابذوهم ومالؤوا بطون قريش على حرب الرسول صلى الله عليه وسلم، ولهذا كان ذم أبي طالب لهم في
قصيدته اللامية أشد من غيرهم لشدة قربهم.. وفي بعض الروايات هذا الحديث: «إنهم لم يفارقونا في جاهلية ولا إسلام» وهذا قول جمهور
العلماء إنهم بنو هاشم وبنو المطلب».


15- لما أذن الله بنصر دينه، وإعزاز رسوله،
وفتح مكة، ثم حجة الوداع، كان
النبي صلى الله عليه وسلم يؤثر أن ينزل في خَيْف
بني كنانة ليتذكر ما كانوا فيه من الضيق والاضطهاد، فيشكر الله على ما أنعم عليه
من الفتح العظيم، ودخولهم مكة، التي أخرجوا منها، وليؤكد قضية انتصار الحق
واستعلائه، وتمكين الله لأهله الصابرين, فعن أسامة بن زيد قال: قلت يا رسول
الله أين تنزل غدًا؟ في حجته، قال: «وهل ترك لنا عقيل
منزلا؟»
ثم قال: «نحن نازلون غدا بخيف بني كنانة،
المحصب، حيث قاسمت قريش على الكفر»
وذلك أن بني كنانة حالفت قريشًا على بني
هاشم, أن لا يبايعوهم, ولا يؤوهم، قال الزهري: والخيف الوادي.


16- على كل شعب في أي وقت، يسعى لتطبيق شرع
الله عليه، أن يضع في حسبانه احتمالات الحصار والمقاطعة من أهل الباطل، فالكفر ملة
واحدة. فعلى قادة الأمة الإسلامية تهيئة أنفسهم وأتباعهم لمثل هذه الظروف، وعليهم
وضع الحلول المناسبة لها إذا حصلت، وأن تفكر بمقاومة الحصار بالبدائل المناسبة, كي
تتمكن الأمة من الصمود في وجه أي نوع من أنواع الحصار.


* * *

الموضوعالأصلي : السيره النبويه (12) المصدر : منتديات مملكة فلسطينى الكاتب: elkashif
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
ayman2100
عضو ذهبى
عضو ذهبى
ayman2100


الاوسمه الاوسمه : السيره النبويه (12) Empty
mms mms : الصديق الحقيقي هو الذي يمشي إليك عندما باقي العالم يبتعد عنك
مدى نشاط الاعضاء مدى نشاط الاعضاء :
السيره النبويه (12) Left_bar_bleue100 / 100100 / 100السيره النبويه (12) Right_bar_bleue
المزاج المزاج : السيره النبويه (12) 1210
الجنس الجنس : ذكر
المهنه المهنه : السيره النبويه (12) Collec10
الهوايه الهوايه : السيره النبويه (12) Sports10
عدد المساهمات عدد المساهمات : 7128
نقاط المسابقات نقاط المسابقات : 450
نقاط نقاط : 30047
العمر العمر : 38
المزاج المزاج : الحمد الله

بطاقة الشخصية
مرئى للجميع:
السيره النبويه (12) Left_bar_bleue1/1السيره النبويه (12) Empty_bar_bleue  (1/1)


تابع منتديات مملكة فلسطينى على توتير تابعنا على توتير
تابع منتديات مملكة فلسطينى على الفيس بوك تابعنا على الفيس بوك
تابع منتديات مملكة فلسطينى على جوجل بلس تابعنا على جوجل بلس
ـنضم لجروب مملكة فلسطينى على الفيس بوك أنضم لجروبنا على الفيس بوك
تابع منتديات مملكة فلسطينى على اليوتيوب تـــابعـنـا علــــى الــيـــــــــوتيوب
 راســـــــــــــــــــــــل الأداره  راســـــــــــــــــــــــــــــــل الأداره

www.battash.com

مُساهمةموضوع: رد: السيره النبويه (12) السيره النبويه (12) I_icon_minitimeالأربعاء 24 أغسطس - 9:49

بارك الله فيك
وجزاك الله كل خير
وجعله في ميزان حسناتك
السيره النبويه (12) Images?q=tbn:ANd9GcSJpUNweBZnKNmZLUbCVbSMpZ8QpORGCBRqlyoRMUTGujv267Jo

الموضوعالأصلي : السيره النبويه (12) المصدر : منتديات مملكة فلسطينى الكاتب: ayman2100
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
elkashif
عضو مميز
عضو مميز
elkashif


الاوسمه الاوسمه : السيره النبويه (12) Empty
mms mms : قمة التحدى أن تبتسم وفى عينيك ألــــــــــف دمـعــــــه وقمة الحـــــزن أن تعشق ماليس لــــــــــــك
مدى نشاط الاعضاء مدى نشاط الاعضاء :
السيره النبويه (12) Left_bar_bleue50 / 10050 / 100السيره النبويه (12) Right_bar_bleue
الموقع الموقع : مصر
المزاج المزاج : السيره النبويه (12) Busy10
الجنس الجنس : ذكر
المهنه المهنه : السيره النبويه (12) Pharma10
عدد المساهمات عدد المساهمات : 761
نقاط المسابقات نقاط المسابقات : 200
نقاط نقاط : 16508
العمر العمر : 36
المزاج المزاج : مهموووووووووووووووم

بطاقة الشخصية
مرئى للجميع:
السيره النبويه (12) Left_bar_bleue1/1السيره النبويه (12) Empty_bar_bleue  (1/1)


تابع منتديات مملكة فلسطينى على توتير تابعنا على توتير
تابع منتديات مملكة فلسطينى على الفيس بوك تابعنا على الفيس بوك
تابع منتديات مملكة فلسطينى على جوجل بلس تابعنا على جوجل بلس
ـنضم لجروب مملكة فلسطينى على الفيس بوك أنضم لجروبنا على الفيس بوك
تابع منتديات مملكة فلسطينى على اليوتيوب تـــابعـنـا علــــى الــيـــــــــوتيوب
 راســـــــــــــــــــــــل الأداره  راســـــــــــــــــــــــــــــــل الأداره

www.battash.com

مُساهمةموضوع: رد: السيره النبويه (12) السيره النبويه (12) I_icon_minitimeالأحد 28 أغسطس - 15:06

وجزاك مثله أخى الفاضل
عطرتم صفحتى المتواضعه بمروركم الكريم

الموضوعالأصلي : السيره النبويه (12) المصدر : منتديات مملكة فلسطينى الكاتب: elkashif
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
flestiny
الإداره
الإداره
flestiny


الاوسمه الاوسمه : السيره النبويه (12) Empty
mms mms : لا اله الا الله
مدى نشاط الاعضاء مدى نشاط الاعضاء :
السيره النبويه (12) Left_bar_bleue50 / 10050 / 100السيره النبويه (12) Right_bar_bleue
الموقع الموقع : مصر/ الفيوم
المزاج المزاج : السيره النبويه (12) 3810
الجنس الجنس : ذكر
المهنه المهنه : السيره النبويه (12) Collec10
عدد المساهمات عدد المساهمات : 3422
دعوة الأصدقاء دعوة الأصدقاء : 850
نقاط نقاط : 22313
المزاج المزاج : الحمد لله

بطاقة الشخصية
مرئى للجميع:
السيره النبويه (12) Left_bar_bleue1/1السيره النبويه (12) Empty_bar_bleue  (1/1)


تابع منتديات مملكة فلسطينى على توتير تابعنا على توتير
تابع منتديات مملكة فلسطينى على الفيس بوك تابعنا على الفيس بوك
تابع منتديات مملكة فلسطينى على جوجل بلس تابعنا على جوجل بلس
ـنضم لجروب مملكة فلسطينى على الفيس بوك أنضم لجروبنا على الفيس بوك
تابع منتديات مملكة فلسطينى على اليوتيوب تـــابعـنـا علــــى الــيـــــــــوتيوب
 راســـــــــــــــــــــــل الأداره  راســـــــــــــــــــــــــــــــل الأداره

www.battash.com

https://flestiny.yoo7.com
مُساهمةموضوع: رد: السيره النبويه (12) السيره النبويه (12) I_icon_minitimeالأحد 28 أغسطس - 19:37

جزاك اله خيرا محمد
جعله الله فى ميزان حسناتك ونفع الله بك

الموضوعالأصلي : السيره النبويه (12) المصدر : منتديات مملكة فلسطينى الكاتب: flestiny
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
elkashif
عضو مميز
عضو مميز
elkashif


الاوسمه الاوسمه : السيره النبويه (12) Empty
mms mms : قمة التحدى أن تبتسم وفى عينيك ألــــــــــف دمـعــــــه وقمة الحـــــزن أن تعشق ماليس لــــــــــــك
مدى نشاط الاعضاء مدى نشاط الاعضاء :
السيره النبويه (12) Left_bar_bleue50 / 10050 / 100السيره النبويه (12) Right_bar_bleue
الموقع الموقع : مصر
المزاج المزاج : السيره النبويه (12) Busy10
الجنس الجنس : ذكر
المهنه المهنه : السيره النبويه (12) Pharma10
عدد المساهمات عدد المساهمات : 761
نقاط المسابقات نقاط المسابقات : 200
نقاط نقاط : 16508
العمر العمر : 36
المزاج المزاج : مهموووووووووووووووم

بطاقة الشخصية
مرئى للجميع:
السيره النبويه (12) Left_bar_bleue1/1السيره النبويه (12) Empty_bar_bleue  (1/1)


تابع منتديات مملكة فلسطينى على توتير تابعنا على توتير
تابع منتديات مملكة فلسطينى على الفيس بوك تابعنا على الفيس بوك
تابع منتديات مملكة فلسطينى على جوجل بلس تابعنا على جوجل بلس
ـنضم لجروب مملكة فلسطينى على الفيس بوك أنضم لجروبنا على الفيس بوك
تابع منتديات مملكة فلسطينى على اليوتيوب تـــابعـنـا علــــى الــيـــــــــوتيوب
 راســـــــــــــــــــــــل الأداره  راســـــــــــــــــــــــــــــــل الأداره

www.battash.com

مُساهمةموضوع: رد: السيره النبويه (12) السيره النبويه (12) I_icon_minitimeالإثنين 5 سبتمبر - 18:48

وجزاكم مثله وخيرا منه
شكرا لمروركم العطر

الموضوعالأصلي : السيره النبويه (12) المصدر : منتديات مملكة فلسطينى الكاتب: elkashif
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

السيره النبويه (12)

استعرض الموضوع التالي استعرض الموضوع السابق الرجوع الى أعلى الصفحة
©phpBB | انشاء منتدى مع أحلى منتدى | منتدى مجاني للدعم و المساعدة | التبليغ عن محتوى مخالف | آخر المواضيع
صفحة 1 من اصل 1

هام جداً: قوانين المساهمة في المواضيع. انقر هنا للمعاينة
صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
مملكة فلسطينى :: الاسلاميات :: السيرة النبوية والغزوات-
انتقل الى: