تخوض حيوانات صحاري "كالاهاري" معركة ضارية للبقاء على قيد الحياة في هذه المنطقة التي يندر فيها الماء، لتحمل الجفاف والوحول والرياح والحرارة، تبدي هذه الحيوانات براعة للسيطرة على هذه الأرض القاسية لقد اعتادت العيش في شبه الصحراء.
تمتلئ صحراء "كالاهاري" بحيوانات كثيرة من أعداء "الميركاد"، هذا بالإضافة إلى أن نباتات هذه الصحراء لا تؤمن لها إلا بعض الحماية، كما بعض الكائنات الأخرى يتغلب حيوان "النمس" على بعض التحديات في شبه الصحراء، وذلك عبر تكيفه الجسدي والاجتماعي.
مع حلول آخر شهر من فصل الجفاف في صحارى "كالاهاري" تقوم هذه العائلة بالغزو لأطول فترة ممكنة في هذه المناطق الواسعة الامتداد، في هذا المكان يتربص الخطر بأفراد هذه العائلة من جميع الجهات. يجب أن تعيش هذه الأفراد في هذه الأوقات القاحلة حتى سقوط أول كمية من المطر الذي يجلب معه النماء والتجدد لهذه الأرض الجدباء.
يطلق سكان "بتسوانا" على هذه المنطقة المجدبة "خلا خادي" أو أرض الظمأ الكبير.
تشكل رمال صحراء "كالاهاري" أوسع مساحة رملية على الكرة الأرضية بغض النظر عن الامتداد الواسع للصحراء "صحارى"، على أي حال تغطي صحراء "كالاهاري" الأساسية معظم "بتسوانا" امتدادًا عبر شرقي "ناميبيا" شمالاً وصولاً إلى "جنوب إفريقيا" وغرب "زيمبابوي".
بما أن صحراء "كالاهاري" تتلقى خمسة وعشرين سنتيمترًا سنويًا من الأمطار فإنها لا يمكن اعتبارها صحراء بالفعل، باعتبارها شبه صحراء أو أرض الظمأ الكبير فإن صعوبة العيش تعترض حيواناتها ونباتاتها بالرغم من هطول هذه الأمطار النادرة.
يعتبر منتصف شهر تشرين الثاني نموذجًا لارتفاع حرارة صحراء "كالاهاري"، هطلت الأمطار منذ سبعة أشهر ليتيح فصل الشتاء القارص المجال لفصل الجفاف القاحل الذي يسبق حلول الشتاء.
تمتد الحرارة لتصل إلى 47 درجة مئوية، تمد الأشجار جذورها تحت الأرض عميقًا حيث توجد الرطوبة، في تلك البقعة تحت رمال "كالاهاري" تبقى مجموعة "الميركاد" حذرة تمامًا.
ترسل هذه المجموعة أحد أفرادها للتأكد من عدم وجود حيوانات مفترسة بالقرب من تلك الحفرة الذي يعلمها بوضوح عما شاهد، لقد عمل أفراد هذه المجموعة على نفخ صوفها للسماح للحرارة للنفاذ إلى أعماق أجسامها لمساعدتها على الاحتفاظ بالدفء.
تضم مجموعة "الميركاد" أزواجًا متماثلة وأجيالاً متعاقبة من هذا النوع، يصل عدد أفراد هذه المجموعة إلى ثلاثين فردًا، إنها تقيم الزواج المتبادل بوضع علامات الرائحة وصولاً إلى اليوم الذي يسبق الغزو، يقوي هذا الأمر الرائحة المشتركة عند كل أعضاء المجموعة للتعرف إلى بعضها بعد فترات من الغياب.
بُغية استكمال الروابط فيما بينها تولي المجموعة أمر حراسة الجراء لأحد أفرادها في الوقت الذي تقوم فيه بالغزو، تبدأ حيوانات "الميركاد" رحلة الصيد مجتمعة مع بدء النهار تتقدم ببطء مبتعدة عن بعضها لينفصل كل واحد منها عن الآخر مسافة مائة متر، تركز هذه الحيوانات الصغيرة الحجم بشكل كلي على البحث عن اليرقات تحت الأرض ومطاردة الحشرات الصغيرة.
تبقى هذه المجموعة الغازية معرضة للوحوش؛ لذلك يقوم حارس حذر بالحراسة، يقف هذا الحارس على مكان مرتفع لمدة ساعات، وبدل تناول الطعام يواصل مراقبة الأرض والسماء تحسبًا لخطر محتمل، يستخدم الحارس ذيله بمثابة رجل ثالثة للمحافظة على توازن جسمه، في بعض الأحيان يقوم بالنظر إلى الشمس مباشرة، إنه يمتلك دوائر سوداء حول عينيه تجنبًا لوهج الشمس، يتمكن الحارس ببصره الحاد الذي يفوق بصر الإنسان من اكتشاف الوحوش على بُعد أربعة كيلومترات.
تقتات طيور الباز في صحراء "كالاهاري" القليلة الموارد عشوائيًا ومنتهز الفرص على الجيف والزواحف والحيوانات الصغيرة اللبونة مثل "الميركاد"، وحتى على طيور الأرض الأكبر حجمًا، في هذا الوقت يسلط طائر "الباز" انتباهه على رأس أفعى الصل أو الكبرى التي تبحث عن البيض في عش طائر الحباك.
تقيم هذه المجموعات من الطيور في أعشاش بحجم قبضة اليد تتصل جميعها بممر عمودي مشترك إلى الخارج، تزود طيور الحباك هذا الممر برزمة من القش لمنع دخول الوحوش إليه، تتجاهل الأفعى النحيفة هذا التحدي فتأكل ببساطة، في معظم الأحيان تصطاد الأفعى على الأرض مستخدمة سمها القاتل للقضاء على السحليات، وعلى القوارض، وعلى أفاعٍ أخرى.
بدوره يقوم طائر الكاتب وهو أحد الطيور الجارحة باستهداف الأفعى، إن نسبة مرتفعة من الطيور الجارحة تقتات على الأفاعي.
يحمي هذا الطائر رجليه بقشور كثيفة محصنة تقيه من العض وتمكنه من سحق فريسته حتى الموت، تهرب الأفعى إلى وسط مجموعة من حيوان النمس لتتجنب طائر الكاتب، تصاب الأفعى بالجراح فتسمح الأم لفراخها بالقضاء عليها، تنتهز الفراخ الفتية هذه الفرصة لإنجاز خطتها بالقضاء على الأفعى المصابة.
كما هو الأمر عند حيوان "الميركاد" تقف حيوانات النمس على أرجلها الخلفية لمواجهة التهديد، فإن بصرها المحدود الرؤية يجعل من الصعب عليها تقدير المسافات، وللتغلب على هذه المشكلة تقوم بتحريك رؤوسها نحو الأعلى والأسفل ومن جهة لأخرى يستعمل حراس حيوان "النمس" و"الميركاد" على السواء طرقًا مختلفة من نداءات التحذير للتميز ما بين الطيور الجارحة والحيوانات المفترسة.
يتحرك "ابن آوى" الأسود الظهر خلسة إلى حدود حيوانات "الميركاد" المغيرة، يرسل الحارس تحذيرًا إلى مجموعته أنه يصيح بسرعة وبصوت مرتفع لإعلامها بأن هناك خطرًا وشيكًا على الأرض.
تشكل حيوانات "الميركاد" وبعض الحيوانات اللبونة الأخرى والحشرات والأفاعي والطيور طعامًا دسمًا لابن آوى خلال فصل الجفاف في صحارى "كالاهاري"، ومع مرور الزمن وازدياد فرص الطعام سيعود مرة أخرى إلى قرينته الدائمة وشريكته في الصيد، قل ما يعمد "ابن آوى" إلى القيام بحفر كبير ليتمكن من طريدته.
تغير حيوانات "الميركاد" في أغلب الأحيان بقرب حفرة مألوفة لديها تمكنها من الهرب، مع زوال الخطر يأخذ الحارس مكانه مرة ثانية، ويرسل أصواتًا تعيد الطمأنينة إلى المجموعة، يستجيب كل واحد من جماعته الموجودة في حقل حراسته بحيث يعرف مكان كل واحد منها.
لا يزال "ابن آوى" خاوي الوفاض فيتجه نحو آخر بقعة ماء باعتبارها مكانًا مُغريًا لمختلف الطيور والحيوانات، كما هو الحال عند "ابن آوى" فإن ندرة الطعام خلال هذه الأشهر الحارة الجافة تجبر هذه اللبؤة على صيد طرائد صغيرة مثل "الشيهم" و"الجرذان"، فهذا الغذاء بالإضافة إلى سرقة الطرائد يسمح للعائلة بالعيش بحالة جيدة نسبيًا، هذه الأشبال من الفهود ليست محظوظة كغيرها.
إنها ضعيفة بسبب الجوع، لقد فشلت الأم في صيد "قوقز" خلال آخر مطاردة لها في أحد الخنادق، لا تستطيع هذه المجموعة من الأشبال تأمين طعامها؛ لذلك فإنها تنتظر مجيء أمها بيأس لتقودها إلى حيث يوجد الطعام، لقد استسلمت الأم للموت جوعًا تاركة أشبالها ليواجهوا مصيرهم وحدهم.
بالقرب من هناك تُغير إحدى إناث "الميركاد"، إذا ما تعرضت للجوع فسيجف حليبها، تخترق طبقة الأرض الصلبة بواسطة مخالبها الأربعة الموجودة في كل يد، يكشف حفرها عن وجود يرقات الخنفساء الذي يشكل طعامًا رئيسيًا لحيوانات "الميركاد"، مع ارتفاع حرارة صحاري "كالاهاري" إلى 45 درجة مئوية يهرب حيوان "الميركاد" من شدة الحرارة لتعود إلى أماكنها للقيلولة.
في أغلب الأحيان تفضل هذه الحيوانات عدم العودة مباشرة إلى أماكنها بل ترغب بأخذ قسط من الراحة في ظل أشجار أحد البساتين، أو ضمن حفر قريبة من مكان الغزو، تنتهز الأفراد البالغة الفرصة لضبط الجراء في الحفرة لإتاحة المجال لأمها لتناول طعامها، تعمل المجموعة الأكبر سنًا بالتناوب على الحراسة.
في بعض الأحيان تتنافس الأفراد البالغة للقيام بهذه المهمة، مع أنها تعني الحرمان من الطعام في الوقت الذي تقضي فيه بقية المجموعة يومها في الغزو، تسلط هذه التضحية الضوء على العلاقات المتينة التي تربط أعضاء المجموعة، إذا ما قامت إحدى مجموعات هذه الحيوانات بالهجرة محاولة الانضمام إلى عائلة أخرى، فإنها تحقق هذه الرغبة عند قبولها القيام برعاية الجراء لعدة أيام.
كثيرًا ما تعيش السناجب في حفر مجموعات "الميركاد" لتساعد الحارس في تأمين حماية أكبر ضد الكواسر. تأكل هذه القوارض بالقرب من مدخل هذه البقعة ويتعرف كل من النوعين على نداءات التحذير التي يطلقها الآخر، تمتلك السناجب التي اعتادت العيش في أرض الظمأ الكبير كلاً تقوم بتخزين بولها مما يتيح لها الاحتفاظ بالماء.
تقاوم السناجب حرارة الشمس الشديدة في صحراء "كالاهاري" باستعمال أذنابها الكثيفة كمظلة وأداة لقفز الرمال عن ظهورها.
تلجأ فراخ النعامة إلى الاختباء بجوار والديها لتخفيف الحرارة، بالرغم من وجود الماء تذهب هذه الطيور في أوقات غير محدودة دون أن تشرب. تفضل الهرة الإفريقية البرية وجبة غذاء من الجرذان والفئران، تقودها الندرة أحيانًا إلى اصطياد العصافير.
يقوم النسر الأسمر المصفر وهو قرصان مشهور بسلب الهرة جائزتها التي حصلت عليها بصعوبة، على الرغم من أن النسر يقتات على كل شيء بدءًا من النمل الأبيض وانتهاءً بجثة الفيل إلا أنه يتغذى بشكل رئيسي بأكل الحيوانات اللبونة الصغيرة مثل "الميركاد".
عندما تبلغ حيوانات "الميركاد" ثلاثة أسابيع من العمر تترك الرضاعة لتأكل مختلف أنواع الطعام، وفي الأسبوع الرابع تصبح قادرة على الصيد، مع انخفاض درجة الحرارة تعود العائلة من رحلة الصيد قبل غروب الشمس، ومرة أخرى تترك هذه العائلة مجموعة الجراء في عهدة من يقوم بالعناية بها، عند الحفر أو عند هبوب عاصفة رملية تحرك "الميركاد" أطراف أذنيها عاملة على إقفالها منعًا من دخول ما يؤذيها.
مع نهاية يوم آخر من هبوب الرياح الجافة ليس هناك ما يدل على انتهاء هذا الفصل الحار.
في صباح اليوم التالي تبدأ أول زخة مطر بالهطول منذ ستة أشهر، يثير هذا المطر حماس حيوانات "النو" التي تمتلك قدرة عجيبة على اكتشاف هطول الأمطار من مسافة عدة كيلومترات تتوقع هذه الحيوانات تساقط الأمطار في مكان ما، حتى قبل أن تتلبد السماء بالغيوم فتتحرك باتجاهه، لا تصل أول كمية من الأمطار أبدًا.
تبخر الحرارة المرتفعة التي تصدر عن الرمال الحارة في صحراء "كالاهاري" قطرات الماء لتكون ظاهرة تعرف بالشهاب المائي، تتجمع طبقة من الضباب بين الأرض والسماء، حيث تصل أول كمية من المطر إلى الأرض العطشى تبدأ درجة الحرارة بالانخفاض ببطء، تأتي مجموعة من جراء "القوفز" مع ظهور نباتات جديدة في هذا الفصل.
تسوق ذكور تلك المنطقة الإناث وتقوم بفحص استعدادها للتزاوج عبر وسائل الشم ورش البول، تتنافس الأكباش على الحدود واقتناص فرص التناسل وذلك بالنطاح محاولة التغلب على خصومها في هذه المعركة، وبالرغم من أن هذه المعارك لا تستهدف الأذى للمتباريين إلا أنها تؤدي أحيانًا إلى إراقة دماء وكسور في أعناق هذه الحيوانات، في حالات نادرة عندما تتشابك قرون هذه الحيوانات لفترة طويلة فيما بينها قد تؤدي إلى موت بطيء لكلا الحيوانيين.
بالرغم من أن حيوانات "القوفز" تتناسل خلال السنة، إلا أنها تبلغ الذروة قبل حلول الشتاء، يتمكن جرو "القوفز" من القفز في مدة أسبوع على ولادته، وعندما يبلغ الشهر من العمر تصبح سرعته موازية لسرعة "القوفز" البالغ.
يفيد بحث صادر في القرن التاسع عشر أن هجرة قطيع من "القوفز" قد حدثت في منطقة تبلغ مساحتها أربعة آلاف وخمسمائة كيلومتر مربع، لا تعيش قطعان "القوفز" حاليًا في هذه المنطقة من صحراء "كالاهاري" التي يُسيطر عليها الإنسان.
إن العدد الكبير من قطعان الماشية في "بتسوانا" يتطلب سياجًا يمنع عدة أنواع من الظباء من سلوك الطرق التقليدية للهجرة.
في القسم الجنوبي من أرض الظمأ الكبير يبقى تدخل الإنسان في حده الأدنى، فالجفاف المستمر يحول دون الإقامة الدائمة، للبقاء هنا يجب التغلب على صعوبات هذه الحياة كما فعلت حيوانات "الميركاد"، بعد حلول فصل الشتاء بقليل تقوم الجراء التي بلغت شهرًا من العمر بالغزو مع القطيع.
تقوم هذه الجراء بإزعاج الأفراد البالغة للحصول منها على بعض الطعام، وذلك في أثناء تعلمها كيفية تأمين الطعام بنفسها، تقف هذه الجراء خلف الأفراد البالغة الأكثر كرمًا لتطالب بالمشاركة في حصتها بصوت مرتفع.
إن اصطحاب الجراء إلى الصيد يريح العائلة من ضرورة العودة إلى نفس الحفرة في كل ليلة، من الآن فصاعدًا وحتى حلول فصل الولادة، تقوم المجموعة بفحص عدة بقع من الأرض لاختيار المكان الأكثر ملائمة لغزوها.
الآن تستفيد الحيوانات من الوفرة التي يؤمنها هطول المطر، يعتبر هذا المطر الذي يستمر لعدة أشهر فقط ثروة للحيوانات التي تعيش في شبه الصحراء الإفريقية
الموضوع منقول جدا
الاوسمه
مدى نشاط الاعضاء
موضوع: صحراء كالاهارى 
الثلاثاء 8 مارس - 15:27
الكلمات الدلالية 
رابط الموضوع 
BBCode 
HTML كود الموضوع 
هام جداً: قوانين المساهمة في المواضيع. انقر هنا للمعاينة 
