السلطان عبد الحميد الثاني
فمن هو السلطان عبد الحميد الثاني؟
ولد السلطان عبد الحميد الثاني يوم الأربعاء في 22 سبتمبر/ أيلول عام 1842م، توفيت والدته من مرض السلّ وهو في الثامنة من عمره، فاحتضنته الزوجة الثانية لوالده، التي كان معروفًا عنها أنّها شديدة التديُّن، وأسبغت عليه كل حنانها وعطفها، وقد بادلها عبد الحميد هذا الحب، فكان يقول عنها: "لو كانت والدتي حيَّة لما استطاعت أن ترعاني أكثر من رعايتها"[3]. وعندما توفيت أوصت بجميع ثروتها لابنها الذي أحبّته.
قضى السلطان شبابه يطلب العلم على عكس ما صوّره أعداؤه بأنه كان شخصًا جاهلاً لا يعرف القراءة والكتابة إلا بصعوبة؛ فهو قد درس اللغة التركية والفارسية والعربية والفرنسية، وكان يقول الشعر كما كان شغوفًا بقراءة كتب التاريخ، ومنها تاريخ الدولة العثمانية، إضافةً إلى حبِّه الشديد للمطالعة، حتى إنّه أمر بترجمة المقالات والمجلات والصحف الأجنبية التي ترد إليه؛ ليتمكّن من قراءتها[4].
وعبد الحميد معروف بتقواه وتمسُّكه بالدين، ولم يُعرف عنه تركه للصلاة قط أو إهماله للتعبّد، وتقول عنه ابنته عائشة: "كان والدي يؤدي الصلوات الخمس في أوقاتها، ويقرأ القرآن الكريم، وفي شبابه سلك مسلك الشاذلية، وكان كثير الارتياد للجوامع لا سيما في شهر رمضان"[6].
ارتقى عبد الحميد الثاني عرش السلطنة يوم الخميس في 31 أغسطس 1876م في ظل ظروف قاسية كانت تعصف بالدولة العثمانية من الديون التي كانت ترزح تحتها، إلى تكالب الدول الأوربية واليهودية التي كانت تنتظر موت الرجل المريض[8]؛ لاقتسام ثروته لا سيما البترول[9]. لذلك أوّل ما فعله أنّه سعى إلى رأب الصدع، فجرى على سياسة الاقتصاد من أجل تحرير رقبة بلاده من قبضة الدول والمصارف الأجنبية، حتى إنِّه تبرّع من ماله الخاص من أجل هذا الغرض، فاستطاع تسديد القسم الأكبر من تلك الديون. وفي عهده تخرج جيلٌ كامل من المثقفين والمتعلمين من كليات وجامعات ومعاهد أسسها السلطان، وبدأت الدلائل تشير إلى عودة الصحة والعافية إلى جسد الرجل المريض، ولكن وصول الاتحاديين إلى السلطة بمساعدة خارجية قضى على هذا الأمل.
أخلاق عبد الحميد الثاني ومزاعم باطلة
من أهم صفات السلطان عبد الحميد الرحمة والتسامح، على الرغم من أن المعروف عنه العكس تمامًا؛ فقد صُوِّر من قبل أعدائه بصورة السفاح، بل لعلّ صفة الرحمة الزائدة عن الحدِّ كانت نقطة الضعف عنده، ويكفي القول: إنّ المؤرخين يذكرون أنّ السلطان كان يُبدِّل على الدوام حكم الإعدام الذي يُصدره القاضي إلى السجن المؤبد أو إلى مدّة أقل، ولم يُصادف أنّه صادق على حكم الإعدام إلا مرتين: الأولى عندما قتل أحد العاملين في القصر زميلاً له، والثانية عندما قام شخص بقتل والديه[10].
والسلطان عبد الحميد المعروف بسياسته الإسلامية والذي كان يرى أن خلاص الدولة العثمانية وقوتها في اتباع ما جاء في القرآن والسُّنَّة، والذي قام بإرسال الدعاة المسلمين -مع المئات بل الآلاف من الكتب الإسلامية- إلى كل أنحاء العالم الإسلامي[15]؛ لجمعهم تحت راية واحدة هي: "يا مسلمي العالم، اتحدوا". لم ترحمه أقلام الحاقدين فاتهموه بحرق المصاحف زورًا وبهتانًا، وحاولوا تزوير الحقائق التي تقول: إن الكتب التي أمر بإحراقها هي كتب دينية طافحة بالخرافات والأساطير وتمسُّ عقيدة المسلمين؛ ولذلك جمعتها وزارة المعارف وفرزتها لجنة من العلماء في 150 شولاً، وأمر بها فأُحرقت[16].
عبد الحميد الثاني وقضية فلسطين
أمَّا بالنسبة لموقفه تُجاه فلسطين، فلقد حاول الصهاينة منذ بَدء هذه الحركة الاتصال بالسلطان عبد الحميد لإقناعه بفتح الهجرة اليهودية إلى فلسطين، والسماح لهم بإقامة مستوطنات للإقامة فيها، وقد قام هرتزل باتصالاته تلك برعاية من الدول الاستعمارية الأوربية، وكان هرتزل يعلم مدى الضائقة المالية التي تمرُّ بها الدولة العثمانية؛ لذلك حاول إغراء السلطان بحل مشاكل السلطنة المالية مقابل تنفيذ مطالب اليهود. ولكنَّ السلطان ما وهن وما ضعف، وما استكان أمام الإغراء حينًا، والوعد والوعيد حينًا آخر، حتى أدرك اليهود في النهاية أنه ما دام السلطان عبد الحميد على عرش السلطنة، فإنَّ حلمهم بإنشاء وطن قومي لهم سيظل بعيد المنال[17].ويَشهد لذلك ما جاء في بروتوكولات حكماء صهيون، وما جاء في مذكّرات هرتزل نفسه الذي يقول بمناسبة حديثه عن مقابلته للسلطان: "ونصحني السلطان عبد الحميد بأن لا أتخذَ أية خطوة أخرى في هذا السبيل، لأنَّه لا يستطيع أن يتخلى عن شبرٍ واحد من أرض فلسطين؛ إذ هي ليست ملكًا له، بل لأمته الإسلامية التي قاتلت من أجلها، وروت التربة بدماء أبنائها، كما نصحني بأن يحتفظ اليهود بملايينهم وقال: إذا تجزّأت إمبراطوريتي يومًا ما فإنكم قد تأخذونها بلا ثمن، أمَّا وأنا حيٌّ فإنَّ عمل المِبْضَعِ[18] في بدني لأهون عليَّ من أن أرى فلسطين قد بترت من إمبراطوريتي، وهذا أمر لا يكون"[19].
قالوا في السلطان عبد الحميد الثاني رحمه الله:
- جمال الدين الأفغاني: "إنّ السلطان عبد الحميد لو وزن مع أربعة من نوابغ رجال العصر، لرجحهم ذكاء ودهاء وسياسة".
- البطريرك الماروني إلياس الحويك: "لقد عاش لبنان وعاشت طائفتنا المارونية بألف خير وطمأنينة في عهد السلطان عبد الحميد الثاني، ولا نعرف ماذا تخبئ لنا الأيام بعده".
من أقوال السلطان عبد الحميد الثاني رحمه الله:
"يجب تقوية روابطنا ببقية المسلمين في كل مكان، يجب أن نقترب من بعضنا البعض أكثر وأكثر، فلا أمل في المستقبل إلا بهذه الوحدة، ووقتها لم يحن بعد، لكنه سيأتي اليوم الذي يتحد فيه كل المؤمنين وينهضون نهضة واحدة، ويقومون قومة رجل واحد يحطمون رقبة الكفار".