حُسن إسلام المرء يعنيه
عن أبي هُرَيْرَةَ رضي اللهُ عنه قالَ:
قالَ رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم:
"مِنْ حُسْنِ إسْلاَمِ الْمَرءِ تَرْكُهُ مَا لاَ يَعْنِيهِ".
حديث حسن ، رواه الترمذي وغيره .
يحرص الإسلام على سلامة المجتمع، وأن يعيش الناس في وئام ووفاق، لا منازعات بينهم ولا خصومات،
كما يحرص على سلامة الفرد وأن يعيش في هذه الدنيا سعيداً، يَألف ويُؤلف، يُكْرَم ولا يُؤذَى، ويخرج منها فائزاً رابحاً،
وأكثر ما يثير الشقاق بين الناس، ويفسد المجتمع، ويورد الناس المهالك تَدَخُّل بعضهم في شؤون بعض،
وخاصة فيما لا يعنيهم من تلك الشؤون، ولذا كان من دلائل استقامة المسلم وصدق إيمانه تركه التدخل فيما لا يخصه من شؤون غيره.
والمسلم مسؤول عن كل عمل يقوم به، فإذا اشتغل الإنسان بكل ما حوله، وتدخل في شؤون لا تعنيه، شغله ذلك عن أداء واجباته،
والقيام بمسؤولياته، فكان مؤاخذاً في الدنيا ومعاقباً في الآخرة، وكان ذلك دليل ضعف إدراكه،
وعدم تمكن الخُلُق النبوي من نفسه.
حُسن إسلام المرء يعنيه
وروى ابن حبان في صحيحه:
أنه صلى الله عليه وسلم قال لأبي ذر رضي الله عنه :
"بحسب امرئ من الشر ما يجهل من نفسه ويتكلف ما لا يعنيه".
وإذا أدرك المسلم واجبه، وَعقَل مسؤوليته، فإنه يشتغل بنفسه، ويحرص على ما ينفعه في دنياه وآخرته، فَيُعْرِض عن الفضول،
ويبتعد عن سَفَاسِفِ الأمور، ويلتفت إلى ما يعنيه من الأحوال والشؤون.
والمسلم الذي يعبد الله عز وجل كأنه يراه، ويستحضر في نفسه أنه قريب من الله تعالى والله تعالى قريب منه،
يشغله ذلك عما لا يعنيه، ويكون عدم اشتغاله بما لا يعنيه دليل صدقه مع الله تعالى وحضوره معه،
ومن اشتغل بما لا يعنيه دل ذلك على عدم استحضاره القرب من الله تعالى،
وعدم صدقه معه، وحَبِط عمله، وكان من الهالكين.
حُسن إسلام المرء يعنيه
رُوي عن الحسن البصري أنه قال:
من علامة إعراض الله عن العبد أن يجعل شغله فيما لا يعنيه.
ما يعني الإنسان من الأمور وما لا يعنيه:
والذي يعني الإنسان من الأمور هو:
ما يتعلق بضرورة حياته في معاشه، من طعام وشراب وملبس ومسكن ونحوها،
وما يتعلق بسلامته في معاده وآخرته،
وما عدا هذا من الأمور لا يعنيه:
فمما لا يعني الإنسان الأغراض الدنيوية الزائدة عن الضرورات والحاجيات: كالتوسع في الدنيا،
والتنوع في المطاعم والمشارب، وطلب المناصب والرياسات،
ولا سيما إذا كان فيها شيء من المماراة والمجاملة على حساب دينه.
الفضول في الكلام مما لا يعني، وقد يجر المسلم إلى الكلام المُحَرَّم، ولذلك كان من خُلُق المسلم عدم اللَّغَط والثرثرة والخوض في كل قيل وقال.
روى الترمذي: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
"كلام ابن آدم عليه لا له، إلا الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وذكر الله تعالى".
حُسن إسلام المرء يعنيه
ما يستفاد من الحديث:
أن من صفات المسلم الاشتغال بمعالي الأمور، والبعد عن السَفاسِفِ ومُحَقِّرَات الشؤون.
وفيه: تأديب للنفس وتهذيب لها عن الرذائل والنقائص، وترك ما لا
جدوى منه ولا نفع فيه
حُسن إسلام المرء يعنيه
عواقب تكلم الإنسان فيما لا يعنيه
تكلم الإنسان فيما لا يعنيه يؤدي إلى عواقب وخيمة منها :
يتنافي مع حسن إسلام المرء
فالمسلم الحق هو الذي يترك ما لا يعنيه في القول والفعل , فذلك دليل على حسن إسلامه
فاللبيب يفكر فيما يعنيه بل فوق ذلك قد علم أن كلامه من عمله فقل كلامه إلا فيما يعنيه وينفعه .
وان لسان المرء ما لم تكن له ...... حصاة على عوراته لدليل
لا خير في حشو الكلام ............ إذا اهتديت إلى عيونه
والصمت أجمل بالفتى ............ من منطق في غير حينه
حُسن إسلام المرء يعنيه
يؤدي بالإنسان إلى التجسس والغيبة
فاهتمام المرء بما لا يعنيه يجعل من الفضل عنده حب التجسس على الناس وتتبع عوراتهم
, بل إلى اغتيابهم , ولقد حذرنا الله تعالى من ذلك
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا
وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ
وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ)
[الحجرات:12]
عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ:صَعِدَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْمِنْبَرَ
فَنَادَى بِصَوْتٍ رَفِيعٍ فَقَالَ" يَا مَعْشَرَ مَنْ قَدْ أَسْلَمَ بِلِسَانِهِ
وَلَمْ يُفْضِ الإِيمَانُ إِلَى قَلْبِهِ لاَ تُؤْذُوا الْمُسْلِمِينَ وَلاَ تُعَيِّرُوهُمْ
وَلاَ تَتَّبِعُوا عَوْرَاتِهِمْ فَإِنَّهُ مَنْ تَتَبَّعَ عَوْرَةَ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ
تَتَبَّعَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ وَمَنْ تَتَبَّعَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ يَفْضَحْهُ وَلَوْ في جَوْفِ رَحْلِهِ.
قَالَوَنَظَرَ ابْنُ عُمَرَ يَوْمًا إِلَى الْبَيْتِ أَوْ إِلَى الْكَعْبَةِ فَقَالَ مَا أَعْظَمَكِ
وَأَعْظَمَ حُرْمَتَكِ وَالْمُؤْمِنُ أَعْظَمُ حُرْمَةً عِنْدَ اللَّهِ مِنْكِ.
أَخْرَجَهُ الترمذي (2032).
وعن خالد الربعي، قال:
دخلت المسجد فجلست إلى قوم فذكروا رجلاً، فنهيتهم عنه فكفوا، ثم جرى بهم الحديث،
حتى عادوا في ذكره ، فدخلت معهم في شيء من أمره فلما كان من الليل رأيت في المنام
كأن شيئاً أسود طويلاً شبه الرجل، إلا أنه طويلاً جداً،
معه طبق خلاف أبيض عليه لحم خنزير،
فقال: كل قلت:آكل لحم خنزير؟! والله لا آكله.
فأخذ بقفاي وقال: كل-إنتهارة شديدة – ودسه في فمي،
فجعلت ألوكه، ولا أسيغه ، وأفرق أن ألقيه، واستيقظت.
فمخلوفه لقد مكثت ثلاثين يوماً وثلاثين ليلة ،
ما آكل طعاما إلا وجدت طعم ذلك اللحم في فمي..
ومر عمرو بن العاص[ رضي الله عنه ] على بغل ميت،
فقال لأصحابه:والله لأن يأكل أحدكم من لحم هذا حتى يمتلئ ،
خير له من أن يأكل رجل مسلم.
قال أحدهم :
لعمرك ما شئ علمت مكانه * * * أحق بسجن من لسان مدلل
على فيك مما ليس ينفعك قوله* * *بقفل شديد حيثما كنت اقفل
حُسن إسلام المرء يعنيه
يؤدي بالإنسان إلى قساوة القلب
ووهن البدن وتعسير الرزق
سئل لقمان الحكيم أي عملك أوثق في نفسك ؟قال: ترك مالا يعنيني .
وقد قال مالك ابن دينار :إذا رأيت قساوة في قلبك ووهنا في بدنك وحرمانا في رزقك فاعلم بأنك تكلمت
بما لا يعنيك فكلام الشخص فيما لا يعنيه يقسى القلب ويوهن البدن ويعسر أسباب الرزق.
يقول ابن عباس رضي الله عنهما :
لا تتكلم فيما لا يعنيك فإنه فضل ولا آمن عليك الزور
ولا تتكلم فيما يعنيك حتى تجد له موضعا فرب متكلم في أمر يعنيه
قد وضعه في غير موضعه فأعنته.
ويروى أن قسَّ بن ساعدة وأكثم بن صيفي اجتمعا،
فقال أحدهما لصاحبه : كم وجدت في ابن آدم من العيوب ؟
فقال : هي أكثر من أن تُحصى، والذي أحصيتُه ثمانيةُ آلاف عيب
، ووجدتُ خصلةً إن استعملتها سترتَ العيوبَ كلَّها، قال : ما هي ؟ قال : حفظ اللسان .
وروي عن أبي عليّ الفُضَيْل بن عياض رضي اللّه عنه قال :
مَنْ عَدّ كلامَه من عمله قلّ كلامُه فيما لا يعنيه .
وقال الإِمامُ الشافعيُّ رحمه اللّه لصاحبه الرَّبِيع :
يا ربيعُ ! لا تتكلم فيما لا يعنيك، فإنك إذا تكلَّمتَ بالكلمة ملكتكَ ولم تملكها .
وروينا عن عبد اللّه بن مسعود رضي اللّه عنه قال :
ما من شيء أحقُّ بالسجن من اللسان
. وقال غيرُه : مَثَلُ اللسان مَثَلُ السَّبُع إن لم تُوثقه عَدَا عليك .
وعن مجاهد عن ابن عباس رضي الله عنهما قال :
سمعته يقول : خمس لهن أحسن من الدهم الموقفة :
لا تتكلم فيما لا يعنيك فإنه فضل ولا آمن عليك الوزر
ولا تتكلم فيما يعنيك حتى تجد له موضعا فإنه رب متكلم في أمر يعنيه قد وضعه في غير موضعه فيعنت
ولا تمار حليما ولا سفيها فإن الحليم يقليك وإن السفيه يؤذيك
واذكر أخاك إذا تغيب عنك بما تحب أن يذكرك به
واعفه عما تحب أن يعفيك منه واعمل عمل رجل يرى أنه مجازى بالإحسان مأخوذ بالإجرام .
الصمت وآداب اللسان , لابن أبي الدنيا 95 .
حُسن إسلام المرء يعنيه
يُسمع الإنسان ما لا يرضيه
فقد قال الناس قديما " من تتدخل فيما لا يعنيه سمع ما لا يرضيه " .
عن الحسن بن عيسى في : ( تهذيب الكمال للمزي 16/18 )
قال : اجتمع جماعة من أصحاب ابن المبارك ،
مثل الفضل بن موسى ، ومخلد بن حسين ، ومحمد بن النضر ، فقالوا :
تعالوا حتى نعد خصال ابن المبارك من أبواب الخير ،
فقالوا : جمع العلم ، والفقه ، والأدب ، والنحو ، واللغة ، والشعر ، والفصاحة ، والزهد والورع ،
والإنصاف ، وقيام الليل ، والعبادة ، والحج ، والغزو ، والشجاعة ، والفروسية ،
والشدة في بدنه ، وترك الكلام في ما لا يعنيه ، وقلة الخلاف على أصحابه ،
وكان كثيرا ما يتمثل :
وإذا صاحبت فاصحب صاحبا • ذا حياء وعفاف وكرم
قوله للشئ لا ، إن قلت لا • وإذا قلت نعم ، قال نعم
لما ولي عمر بن عبد العزيز صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه،
وكانت أول خطبة خطبها ثم قال: أيها الناس من صحبنا فليصحبنا بخمس وإلا فلا يقربنا:
يرفع إلينا حاجة من لا يستطيع رفعها، ويعيننا على الخير بجهده، ويدلنا من الخير على ما نهتدي إليه،
ولا يغتابن أحداً، ولا يعترض في ما لا يعنيه. فانقشع الشعراء
والخطباء وثبت عنده الفقهاء والزهاد وقالوا
: ما يسعنا أن نفارق هذا الرجل حتى يخالف قوله فعله.
الكامل في التاريخ 2/371.
حُسن إسلام المرء يعنيه
يجعل المرء مبغضا من الناس ثقيلا عليهم
فالناس لا تحب من يدس أنفه في خصوصياتهم , فيكون ثقيلا عليهم ,
لا يتحملون مجالسته , ولا ينصتون إلى حديثه ,
قال المأمون يوما لجلسائه لم صار الثقيل أثقل على القلب من الحمل الثقيل
فلم يجب منهم أحد وقالوا أمير المؤمنين أعلم فقال
لأنه يجتمع على الحمل الثقيل الروح والبدن والثقيل تنفرد به الروح .
كتاب ذم الثقلاء , لابن المزربان 1 .
حُسن إسلام المرء يعنيه
فيه مضيعة للوقت فيما لا يفيد
فمن حسن إسلام المرء إعراضه عما لا منفعة له فيه دينا ولا دنيا،
إعراضه عن ذلك تركه ما لا يعنيه وهذا يجري في كل التصرفات في الكلام،
لا تتكلم ولا تفعل إلا ما فيه خير ومنفعة،
فالاشتغال بما لا يعني الإنسان وما لا خير له فيه،
وما لا مصلحة فيه، هو من الاشتغال بما لا يعنيه، فيه ضياع وقت.
قال الحسن: قال عمر
: ثلاث من الشقاء أن يجد الرجل على أخيه فيما يأتي؛
أو يذكر من أخيه ما يعرف من نفسه؛ أو يؤذي جليسه بما لا يعنيه.
(مفتاح دار السعادة 1/202).
حُسن إسلام المرء يعنيه
يحكى أنّ .. رجلٌ وقف يراقب ولعدةِ ساعات فراشةً صغيرةً
داخل شرنقتها التي بدأت بالانفراج رويداً رويداً وكانت تحاول جاهدةً
الخروج من ذلك الثقب الصغير الموجود في شرنقتها وفجأة سكنت وبدت وكأنها غير قادرة على الاستمرار !
ظن الرجل بأن قواها قد استنفذت ولن تستطيع الخروج من ذلك الثقب الصغير ثم توقفت تماماً
عندها شعر الرجل بالعطف عليها وقرر مساعدتها فأحضر مقصاً صغيراً وقص بقية الشرنقة فسقطت الفراشة بسهولة
من شرنقتها ولكن ..كانت بجسمٍ نحيل ضعيف وأجنحة ذابلة ظل الرجل يراقبها معتقداً بأن أجنحتها
سوف تقوى وتكبر وبأن جسمها النحيل سيقوى وستصبح قادرةً على الطيران ..
ولكن لم يحدث شيئاً و قضت الفراشة بقية حياتها بجسم ضعيف وأجنحة ذابلة ولم تستطع الطيران أبداً .
.لم يعلم .. ذلك الرجل بأن قدرة الله عز وجل ورحمته بالفراشة جعلتها تنتظر خروج سوائل من جسمها
إلى أجنحتها حتى تقوى وتستطيع الطيران.
والعجيب أنه عندما وزّع الله الأرزاق لم يعجب أحداً رزقه ..!!
ولكن عندما وزّعت العقول كلُّ أعجبه عقله.
ودخلوا على أبي دجانة رضي الله عنه وهو مريض فكان وجهه يتهلل فقيل له:
ما بال وجهك يتهلل يرحمك الله؟ فقال: ما من عمل شيء
أوثق عندي من اثنين كنت لا أتكلم فيما لا يعنيني وكان قلبي للمسلمين سليما
(وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ)
(فصلت:35).
وقانا الله وإياكم مصارع السوء ,
وجنبنا الكلام فيما لا يعنينا
, وجنبنا الزلل في القول والعمل .
قسم من الموضوع منقول من
سلسلة أحاديث وفوائد (4)
فوائد من حديث " من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه "
د. بدر عبد الحميد هميسه
صيد الفوائد
بتصرف
حُسن إسلام المرء يعنيه
حُسن إسلام المرء يعنيه
حُسن إسلام المرء يعنيه
حُسن إسلام المرء يعنيه حُسن إسلام المرء يعنيه
المصدر: شبكة عدوية الاسلامية