| موضوع: قصة سيدنا زكريا ويحيى عليهما الصلاة و السلام السبت 2 يوليو - 5:13 |
| قصة سيدنا زكريا ويحيى عليهما الصلاة و السلام
لمَّا اقترعوا علماء بني إسرائيل أن يلقون أقلامهم أيهم يكفل مريم جعل الله تعالى القرعة تقع على سيدنا زكريا صلى الله عليه وسلم وكفَّله تعالى تلك البنت الصغيرة الناشئة على عبادة ربها، ولو أنَّ أولئك العلماء عرفوا مقام سيدنا زكريا في النبوة وعظيم معرفته بالله تعالى لما تجرَّأ أحد منهم على أن ينازعه في أمر تربيتها لكن الله تعالى، وهو العليم بحال كل إنسان يجعل الصادق كفيلاً على الصادق ويولي الأخيار على الأخيار، إليه يرجع الأمر كله وهو يتولى الصالحين. فالله تعالى فتح على سيدتنا مريم فتحاً عظيماً وكان سيدنا زكريا صلى الله عليه وسلم كلما دخل عليها المحراب وجد عندها من العلم والمعرفة بالله رزقاً جديداً فكان يعجب مما يسمعه منها ويسألها يا مريم أنَّى لك هذا فتقول هو من عند الله إنَّ الله يرزق من يشاء بغير حساب. هنالك لمّا رأى سيدنا زكريا ما في الولد الصالح من الخير وحيث أنه خاف على أتباعه من بعد موته أن ينحرفوا عن طريق الحق ويضلوا سواء السبيل لذلك طلب من الله تعالى أن يهبه من لدنه ولياً أي ولداً صالحاً موالياً له يرثه في مقام الدلالة على الله ويرث النبوة السارية في آل يعقوب، فيقوم مقام المرشد لأولئك الأتباع. وكذلك أهل الإيمان والمعرفة إنَّما يطلبون الولد لمثل هذه الغاية السامية قال تعالى مُشيراً إلى قصة سيدنا زكريا صلى الله عليه وسلم في مطلبه هذا بقوله الكريم: {..كلَّما دَخَلَ عَلَيهَا زَكَرِيَّا المِحرابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقاً قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَت هُو مِنْ عِندِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَرزُق مَن يَشَاءُ بِغَيرِ حِسَابٍ، هُنالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِن لَدُنكَ ذُرِيَّةً طَيِّبةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ} سورة آل عمران: الآية (37-38). وقال تعالى في مطلع سورة مريم: {كهيعص، ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَريَّا، إذْ نَادى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِياً، قَالَ رَبِّ إِني وَهَنَ العَظمُ مِني واشْتَعَل الرَّأسُ شَيباً وَلَم أَكُن بِدُعائكَ رَبِّ شَقِياً، وَإِنّي خِفْتُ المَواليَ مِن وَرَاءِى وَكَانتِ امْرأَتي عَاقِراً فَهَبْ لِي مِن لَدُنكَ وَلياً، يَرِثُني وَيَرِثُ مِن آلِ يَعقُوبَ واجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيّاً} سورة مريم: الآية (1-6 ). وقد سمع الله تعالى ذلك النداء الخفي الصادر من تلك النفس المؤمنة بربِّها واستجاب تلك الدعوة المنبعثة من قلبٍ مؤمن موقن بأن الله تعالى لا بدَّ مجيب دعاءه فليس على الله بعزيز أن يهبه ولداً ولو أن امرأته كانت عاقراً ولو أنه اشتعل رأسه شيباً وبلغ من الكبر عتياً، ولذلك أرسل الله الملائكة تُبشِّرهُ بيحيى وأشار تعالى إلى ذلك بقوله الكريم: {فَنَادَتهُ المَلاَئِكَةُ وَهُو قَائِمٌ يُصَلّي فِي المِحْرَابِ أَنَّ اللهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيى مُصَدّقاً بِكَلِمةٍ مِن اللهِ وَسَيِّداً وَحَصُوراً وَنبياً مِنَ الصَّالِحينَ} سورة آل عمران: الآية (39). كما أشار تعالى إلى ذلك في موضع آخر من القرآن الكريم فقال سبحانه: {يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبشِّرُكَ بِغُلامٍ اسْمهُ يَحيى لَم نَجْعَل لَهُ مِن قَبلُ سَمِيّاً، قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكونُ لِي غُلامٌ وَكَانتِ امْرأتِي عَاقِراً وَقَدْ بَلَغْتُ مِن الكِبَرِ عِتِيّاً} سورة مريم: الآية (7-. وقد سأل سيدنا زكريا ربه بقوله: {رَبِّ أَنَّى يَكونُ لِي غُلامٌ وَكَانتِ امْرأتِي عَاقِراً وَقَدْ بَلَغْتُ مِن الكِبَرِ عِتِيّاً} لا سؤال المستعجب المستغرب فإن الأنبياء الذين عرفوا عظمة الله تعالى وقدرته على كل شيء، لا يستبعدون على الله شيئاً، بل إِنما كان سؤاله كسؤال سيدنا ابراهيم صلى الله عليه وسلم لمَّا قال: {..ربِّ أَرِني كَيْفَ تُحْيِ المَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَى وَلَكِن لِيَطْمَئِنَّ قَلْبي} أي: بلى يا رب آمنت بذلك إيماناً غيبياً غير أني أُريد بسؤالي هذا أن تريني الكيفية التي يكون بها الإحياء فيكون إيماني بهذا إيماناً شهودياً هنالك أجابه الله تعالى بما أشارت إليه الآية الكريمة في قوله عزَّ وجل: {قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِن الطَّيرِ فَصُرْهُنَّ إِليكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزءاً ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْياً وَاعْلَم أَنَّ الله عَزِيزٌ حَكِيمٌ} سورة البقرة: الآية (260). وهكذا فقد طلب سيدنا زكريا من ربِّه أن يعرِّفه بالكيفية أي الطريق التي سيكون بها الولد فقال: {رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ} أي: أريد بسؤالي هذا أن أعرف الكيفية التي سيكون بها الولد فأجابه الله تعالى بما أشارت إليه الآية الكريمة في قوله تعالى: {قَالَ كَذَلِكَ} أي: مع هذا الحال الراهن الذي أنت وزوجك فيه سيكون لك الولد فمن امرأتك هذه ومنك أنت وقد بلغت هذا السن. ثمَّ فصَّل تعالى ذلك بقوله الكريم: {قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِن قَبلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئاً} سورة مريم: الآية (9). هنالك طلب سيدنا زكريا صلى الله عليه وسلم من ربِّه أن يجعل له آية أي إشارة ودليلاً يتعرف به إلى الوقت الذي سيهبه الله تعالى فيه ذلك الغلام. {قَالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيةً قَالَ آيَتُكَ أَلاَّ تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ إِلاَّ رَمْزاً..} سورة آل عمران: الآية (41). وبالآية الثانية:{..قَالَ آيتُكَ أَلاَّ تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَ لَيَالٍ سَوِياً}: وفي يوم وجد سيدنا زكريا نفسه في حال لا يستطيع معه الكلام. قال تعالى: {فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ مِنَ المِحْرابِ فَأوْحَى إِليهِمْ أَن سَبِّحُواْ بُكْرَةً وَعَشياً} سورة مريم: الآية (10-11). وقد نفَّذ الله تعالى وعده لنبيه فأصلح له زوجه ووهبه يحيى. قال تعالى: {وَزَكَرِيَّا إذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لاَ تَذَرْنِي فَرْداً وَأَنتَ خَيرُ الوَارِثِينَ، فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبنا لهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُم كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الخَيْراتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُوا لَنا خَاشِعينَ} سورة الأنبياء: الآية (89-90). وقد أمر تعالى سيدنا يحيى أن يأخذ الكتاب أي التوراة بقوة بأن يقوم بتبليغها على حقيقتها مبيِّناً شذوذ الناس عنها بجرأة لا يخشى في الحق لومة لائم، وآتاه الله تعالى الحكم صبياً، أي علَّمه كيفية وضع كل حكم من أحكام التوراة في موضعه شرحاً وتبياناً وإيضاحاً لحكمته العليّة. فقال تعالى: {يَا يَحْيى خُذِ الكِتَابَ بِقُوةٍ وَآتَيناهُ الحُكْمَ صَبِيّاً}. ثمَّ بيَّن لنا تعالى ما انطوى عليه قلب هذا النبي الكريم من الحنان وما تحلَّت به نفسه من الزكاة أي الطهارة وبيَّن تعالى أنَّ الحنان والطهارة النفسية إِنَّما يشتقها العبد من الله تعالى فقال: {وَحَنَاناً مِن لدُنَّا وَزَكَاةً}. ثم بيَّن لنا تعالى أن التقوى أي أن الاستنارة بنور الله تعالى هي الأصل لا بل هي الطريق الموصلة إلى الحنان والزكاة فقال تعالى: {وَكَانَ تَقِياً} ثم أتبع ذلك بقوله الكريم: {وَبرّاً بِوالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُن جَبَّاراً عَصِيّاً} سورة مريم: الآية (12-14). والآن بعد أن بيَّنا قصة سيدنا زكريا ويحيى عليهما الصلاة والسلام لا بدَّ وأن نتعرَّض إلى نقطة هامة كثرت فيها الأقاويل الباطلة فقال الذين لم يدققوا في كلام الله ولم يعطوه حقَّه من التدبُّر والإمعان أن زكريا ويحيى عليهما الصلاة والسلام قتلهما اليهود وذكروا بهذا الخصوص قصة ملفَّقة وكان مما قالوه أن اليهود لما جاءهم سيدنا يحيى بالبيّنات عارضوه وادَّعوا أن ما جاء به مخالف لما عرفوه ولذلك صمَّموا على قتله، ولمَّا قتلوه فرَّ أبوه سيدنا زكريا صلى الله عليه وسلم مستخفياً وفي طريقه مرَّ على شجرة عظيمة وقد أرادت الشجرة أن تؤويه إليها فانشقَّ جذعها له وما أن أوى إلى الجذع حتى انطبق عليه وأخفاه غير أنَّ الشيطان اجتذب طرف ثوب سيدنا زكريا وبذلك استطاع الخصوم أن يعرفوا مكانه فنشروا الجذع نشراً ولمَّا وصل المنشار إلى أمِّ رأس سيدنا زكريا تأوَّه ألماً فناداه ربه يا زكريا لئن تأوَّهت ثانيةً لأرفعنَّ اسمك من ديوان النُبوة. والآن وبعد أن عرضنا موجزاً لهذه القصة الموضوعة نقول: إنَّ نظرة واحدة إلى هذه القصة تشهد ببطلانها من وجوه عديدة وبقليل من التفكير نستطيع دحضها، ونستطيع الآن أن نثبت أنَّ سيدنا يحيى صلى الله عليه وسلم لم تقتله اليهود لنتوصَّل من ذلك إلى نقض القصة وبالتالي إلى ردِّ ذلك الزعم القائل بنشر سيدنا زكريا صلى الله عليه وسلم. إنَّ التصديق بأن سيدنا يحيى صلى الله عليه وسلم قتله اليهود فيه مواضع لاعتراضات كثيرة يكفي أن نُورد واحداً منها فنقول: لقائل أن يقول إذا كان الله تعالى عليماً فكيف وعد سيدنا زكريا بأن يهبه وارثاً لمقامه في الدلالة على الله ثم جاء اليهود وقتلوا سيدنا يحيى في حياة أبيه؟. وإذا كان تعالى قديراً فكيف استطاع اليهود بقتلهم سيدنا يحيى أن يحولوا دون تنفيذ أمر الله تعالى؟. وهكذا فالتسليم بهذه القصة معناه أن الله تعالى ليس بعليم ولا قدير، وبما أن الله تعالى عليم لا يعزب عن علمه شيء، قدير لا تحول إرادة دون إرادته فهذه القصة موضوعة لا أصل لها باطلة من أساسها وقد شهد القرآن الكريم بكذبها، فقد ذكر لنا تعالى في معرض الكلام عن سيدنا يحيى بما أشارت إليه الآيات الكريمة في قوله تعالى: {يَا يَحْيَى خُذِ الكِتَابَ بِقُوةٍ وَآتَينَاهُ الحُكمَ صَبِيّاً، وَحَنَاناً مِن لدُنَّا وَزَكَاةً وَكَانَ تَقِياً، وَبَرّاً بِوالِدَيهِ وَلَمْ يَكُن جَبّاراً عَصِيّاً، وَسَلامٌ عَلَيْهِ يومَ وُلِدَ وَيَومَ يَمُوتُ وَيَومَ يُبْعَثُ حَيّاً} سورة مريم: الآية (12-15). وحيث أنَّ السلام من الله تعالى هو الأمان وإذا كان الله تعالى ذكر في كتابه الكريم أنَّ السلام على يحيى يوم يموت فمعنى ذلك أنه لم يجرؤ أحد على التعرُّض له وهكذا فقد عاش سيدنا يحيى بعد أبيه وقام مقام المُرشد لأتباع أبيه فكان دليلاً لهم على الله وسلام عليه يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حياً.
|
|