# وداع رمضان كيف تودع رمضان وكيف تثبت بعده
ثبت في الصحيحين([1])عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من صام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه – ولأحمد: «وما تأخر» وإسناده حسن – ومن قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه، ومن قام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه» وزاد النسائي: «غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر».
ولابن حبان والبيهقي عن أبي سعيد مرفوعًا: «من صام رمضان وعرف حدوده وتحفظ مما ينبغي له أن يتحفظ منه كفر ما قبله».
والتفكير مشروط بالتحفظ مما ينبغي له أن يتحفظ منه من ترك الواجبات وفعل المحرمات والجمهور على أن ذلك إنما يكفر الصغائر لما روى مسلم في صحيحه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان مكفرات لما بينهن ما اجتنبت الكبائر» وفي معناه قولان:
أحدهما: أن التكفير مشروط باجتناب الكبائر.
الثاني: أن المراد أن هذه الفرائض تكفر الصغائر خاصة، والجمهور على أن الكبائر لا بد لها من توبة نصوح.
وحديث أبي هريرة المتقدم يدل على أن هذه الأسباب الثلاثة: صيام رمضان وقيامه وقيام ليلة القدر كل واحد منها مكفر لما سلف من الذنوب بشرط اجتناب الكبائر بدليل الحديث المتقدم.
والكبائر جمع كبيرة: وهي ما فيه حد في الدنيا أو وعيد في الآخرة كالزنا والسرقة وشرب الخمر والمعاملة بالربا وعقوق الوالدين وقطيعة الأرحام وأكل أموال اليتامى ظلمًا.
وقد ضمن الله تعالى في كتابه العزيز لمن اجتنب الكبائر والمحرمات أن يكفر عنه الصغائر من السيئات لقوله تعالى: }إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلاً كَرِيمًا{[سورة النساء آية: 31] فقد تكفل الله تعالى بهذا النص لمن اجتنب الكبائر أن يدخله الجنة.
فالصيام وسائر الأعمال من وفاها فهو من خيار عباد الله الموفين ومن طفف فيها فويل للمطففين إذا كان الويل لمن طفف مكيال الدنيا فكيف حال من طفف مكيال الدين.
وكان السلف الصالح يجتهدون في إتمام العمل وإكماله وإتقانه ثم بعد ذلك يهتمون بقبوله ويخافون من رده وهؤلاء هم الذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة.
كانوا يهتمون بقبول العمل أشد اهتمامًا منهم بالعمل لأن الله يقول: }إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ{[سورة المائدة من آية: 27].
كانوا يدعون الله ستة أشهر أن يبلغهم رمضان ثم يدعونه ستة أشهر أن يتقبله منهم.
لما كثرت أسباب المغفرة في رمضان كان الذي تفوته فيه المغفرة محرومًا غاية الحرمان قال عليه الصلاة والسلام: «أتاني جبريل فقال: من أدرك شهر رمضان فلم يغفر له فمات فدخل النار فأبعده الله قل آمين فقلت آمين» الحديث رواه ابن حبان.
واعلم أيها المسلم أن صيام رمضان وقيامه وقيام ليلة القدر والصدقة وقراءة القرآن والذكر والدعاء والاستغفار في هذا الشهر توجب المغفرة إذا لم يمنع من ذلك مانع مع ترك واجب أو فعل محرم، فإذا أتى المسلم بالأسباب وانتفت الموانع فليثق بالمغفرة قال تعالى: }وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى{[سورة طه آية: 82] أي استمر على هذه الأسباب للمغفرة حتى يموت وهي الإيمان الصادق والعمل الصالح – الخالص لله الموافق للسنة والاستمرار على ذلك حتى الموت. كما قال تعالى: }وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ{[سورة الحجر آية: 99] فلم يجعل الله لعمل المؤمن أجلاً دون الموت.
ولما كانت المغفرة والعتق من النار كل منهما مرتب على صيام رمضان وقيامه أمر الله سبحانه عند إكمال العدة بتكبيره وشكره فقال: }وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ{[سورة البقرة آية: 185]. فشكر من أنعم على عباده بتوفيقهم للصيام والقيام وشكر من أنعم على عباده بتوفيقهم للصيام والقيام وإعانتهم عليه ومغفرته لهم وعتقهم من النار أن يذكروه ويشكروه ويتقوه حق تقاته.
فيا أيها العاصي وكلنا كذلك لا تقنط من رحمة الله لسوء أفعالك فكم في هذه الأيام من معتق من النار من أمثالك فأحسن الظن بمولاك وتب إليه فإنه لا يهلك على الله إلا هالك. قال تعالى: }قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ{[سورة الزمر آية:53] والمغفرة المذكورة في هذه الآية للتائبين. وينبغي أن يختم صيام رمضان بالاستغفار والاستغفار ختام الأعمال الصالحة كلها فتختم به الصلاة والحج وقيام الليل وتختم به المجالس فإن كانت ذكرًا كان كالطابع عليها وإن كانت لغوًا كان كفارة لها(داوم على الصلاة في ةقتها وقراءة ورد من القرآن وصيام ثلاثة أيام من كل شهر ولا تنسى صيام الست من شوال فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم]
«من صام رمضان ثم أتبعه ستًا من شوال كان كصيام الدهر» رواه مسلم. وروى أحمد والنسائي عن ثوبان مرفوعًا «صيام شهر رمضان بعشرة أشهر وصيام ستة أيام بشهرين فذلك صيام السنة». وعن أبي هريرة t مرفوعًا: «من صام رمضان ثم أتبعه ستًا من شوال كان كصيام الدهر» رواه البزار وغيره. وروى الطبراني عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله r «من صام رمضان وأتبعه ستًا من شوال خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه».
وإنما كان صيام رمضان وإتباعه بست من شوال يعدل صيام الدهر لأن الحسنة بعشر أمثالها وقد جاء ذلك مفسرًا في حديث ثوبان المتقدم.ولا تنسى قيام الليل ولو بركتين ووتر وتصدق ولو بالقليل وصل الأرحام وأكثر من الذكر ولا تنسى الدعاء بأن يثبتك الله على الطاعة
).
· تنبيه:
يلاحظ أن بعض الناس إذا جاء رمضان تابوا وصلوا وصاموا فإذا انقضى عادوا إلى ترك الصلاة وفعل المعاصي فهؤلاء بئس القوم لأنهم لا يعرفون الله إلا في رمضان ألم يعلمواأن رب الشهور واحد وأن المعاصي حرام في كل وقت وأن الله مطلع عليهم في كل زمان ومكان فليتوبوا إلى الله تعالى توبة نصوحًا بترك المعاصي والندم على ما كان منها والعزم على عدم العودة إليها في المستقبل حتى تقبل توبتهم وتغفر ذنوبهم وتمحى سيئاتهم }وَتُوبُوا إِلَى اللهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ{[سورة النور من آية: 31]}يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ
سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ{[سورة التحريم من آية: 8].
فمن استغفر بلسانه، وقلبه على المعصية معقود، وعزمه أن يرجع إلى المعاصي بعد الشهر ويعود فصومه عليه مردود وباب القبول في وجهه مسدود.
أستغفر الله العظيم الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه. رب اغفر لي وتب عليّ إنك أنت التواب التواب الرحيم. اللهم إني ظلمت نفسي ظلمًا كثيرًا ولا يغفر الذنوب إلا أنت فاغفر لي مغفرة من عندك وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم. وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
([1]) عن أبي هريرة.
([2]) انظر لطائف المعارف لابن رجب ص 220 – 228.