| موضوع: الإعجاز العلمى فى القرآن (42) الخميس 8 سبتمبر - 22:56 |
| نقص الأرض من أطرافها جاءت هذه الايه الكريمه في خواتيم سوره الرعد, وهي السوره الوحيده من سور القران التي تحمل اسم ظاهره من الظواهر الجويه, وسوره الرعد توصف بانها سوره مدنيه. وان كان الخطاب فيها خطابا مكيا, يدور حول اسس العقيده الاسلاميه ومن اولها قضيه الايمان بالوحي المنزل من رب العالمين الي خاتم الانبياء والمرسلين( صلي الله وسلم وبارك عليه وعلي اله وصحبه اجمعين), والايمان بالحق الذي اشتمل عليه هذا الوحي الرباني, ومن ركائزه الايمان بالله, وبوحدانيته المطلقه فوق كافه خلقه, والايمان بملائكته, وكتبه, ورسله, وباليوم الاخر, وما يستتبعه من بعث ونشور, وعرض اكبر امام الله, وحساب وجزاء, وما يستوجبه هذا الايمان من خشيه لله وتقواه, وحرص علي طلب رضاه بالعمل الصالح لان ذلك كله نابع من الايمان بالوحي, وبان الله( تعالي) هو منزل القران الداعي الي عباده الله بما امر( سبحانه وتعالي), وبالقيام بواجبات الاستخلاف في الارض بحسن عمارتها, واقامه عدل الله فيها. وتعجب الايات من منكري البعث والحساب والجزاء, الدين كفروا بربهم, وكذبوا رسله, وجحدوا اياته, وتعرض لشيء من عذابهم في الاخره, وخلودهم في النار. وتستشهد السوره في مواضع كثيره منها بالعديد من الايات والظواهر الكونيه الداله علي طلاقه القدره الالهيه المبدعه في الخلق والافناء, وفي الاماته والاحياء, وفي النفع والضر, والشاهده علي ان كل ما جاء به القران الكريم حق مطلق, وان كان اكثر الناس لا يومنون. ثم تقارن الايات بين اهل النار واهل الجنه, وبين اوصاف كل فريق منهم وخصاله واعماله, وضربت لهما مثلا بالاعمي والبصير, وبينت مصير كل من الفريقين, مع تصوير رائع لكل من الجنه والنار. وتستطرد ايات سوره الرعد في الحديث عن عدد من الظواهر الكونيه من مثل حدوث الرعد, والبرق, والصواعق, وتكوين السحاب الثقال, وانزال المطر, وتدفق الاوديه بمائه حامله من الزبد والخبث الذي لايلبث ان يذهب جفاء, وبما ينفع الناس من نفائس المعادن التي لا تلبث ان تمكث في الارض, وتشبه الايات الكريمه ذلك بكل من الباطل والحق, ولله المثل الاعلي. ثم تعرض السوره لحقيقه غيبيه تتمثل في تسبيح الرعد بحمد الله, وتسبيح الملائكه خشيه لجلاله, وخيفه من سلطانه, وجميع من في السماوات والارض يسجد لله طوعا وكرها, حتي ظلالهم فانها تسجد لله بالغدو والاصال, اي مع دوران الارض حول محورها امام الشمس, فيمد الظل ويقبض في حركه كانها الركوع والسجود. وتنعي الايات علي الكفار استهزاءهم بالرسل السابقين علي بعثه المصطفي ( صلي الله عليه وسلم), وفي الاشاره الي ذلك ضرب من التثبيت لرسول الله, والتاكيد له علي ان الابتلاء هو طريق النبوات, وطريق اصحاب الرسالات من بدء الخلق الي قيام الدعوه المحمديه والي ان يرث الله( تعالي) الارض ومن عليها...!!! وتشير السوره بالقرب من نهايتها الي فرح الصالحين من اهل الكتاب بمقدم الرسول الخاتم, في الوقت الذي حاول فيه الكفار والمشركون التشكيك في حقيقه رسالته وتوكد انزال القران حكما عربيا مبينا, وتدعو المصطفي( صلي الله عليه وسلم) الي الحذر من ضغوط الكافرين من اجل اتباع اهوائهم. وتوكد انه ما كان لرسول من الرسل ان ياتي بايه الا بإذن الله. ثم تاتي الايه الكريمه التي نحن بصددها ناطقه بحقيقه كونيه يقول عنها ربنا( تبارك وتعالي): او لم يروا انا ناتي الارض ننقصها من اطرافها والله يحكم لا معقب لحكمه وهو سريع الحساب ( الرعد:41) ويتكرر معني هذه الايه الكريمه مره اخري في سوره الانبياء والتي يقول فيها ربنا( تبارك وتعالي): بل متعنا هولاء واباءهم حتي طال عليهم العمر افلا يرون انا ناتي الارض ننقصها من اطرافها افهم الغالبون. (الانبياء:44) ثم تختتم سوره الرعد بالحديث عن مكر الامم السابقه الذي لم يضر المومنين شيئا لان لله( تعالي) المكر جميعا, وان له( سبحانه وتعالي) عقبي الدار, كما تتحدث عن انكار الكافرين لبعثه المصطفي ( صلي الله عليه وسلم), وتاتي الايات, موكده ان الله تعالي يشهد له بالنبوه والرساله وكذلك كل من عنده علم من رسالات الله السابقه لوجود ذكره ( صلي الله عليه وسلم) في الايات التي لم تحرف من بقايا كتبهم. وهنا يبرز التساول المنطقي: ما هو معني انقاص الارض من اطرافها في هاتين الايتين الكريمتين؟ وما هو مغزي دلالتها العلميه والمعنويه؟ وقبل الخوض في ذلك لابد من استعراض سريع لشروح المفسرين.
شروح المفسرين لمعني انقاص الارض من اطرافها في تفسير قول الحق( تبارك وتعالي): او لم يروا انا ناتي الارض ننقصها من اطرافها ذكر ابن كثير قول ابن عباس( رضي الله عنهما): او لم يروا انا نفتح لمحمد صلي الله عليه وسلم الارض بعد الارض, وقوله في مقام اخر: انقاصها من اطرافها هو خرابها بموت علمائها, وفقهائها, واهل الخير منها وقال ابن كثير: والقول الاول اولي, وهو ظهور الاسلام علي الشرك قريه بعد قريه, كقوله تعالي:( ولقد اهلكنا ما حولكم من القري) الايه, واشار الي ان هذا هو اختيار ابن جرير. كذلك ذكر ابن كثير قول كل من مجاهد وعكرمه: انقاص الارض من اطرافها معناه خرابها, او هو موت علمائها, وقول كل من الحسن والضحاك: هو ظهور المسلمين علي المشركين, كما قالا: هو نقصان الانفس والثمرات, وخراب الارض, وقول الشعبي: لو كانت الارض تنقص لضاق عليك حشك( اي بستانك), ولكن تنقص الانفس والثمرات. وذكر صاحبا تفسير الجلالين:( او لم يروا) اي: اهل مكه وغيرها( انا ناتي الارض) نقصد ارضهم,( ننقصها من اطرافها) بالفتح علي النبي صلي الله عليه وسلم. اما صاحب الظلال فذكر: ان يد الله القويه تاتي الامم الغنيه حين تبطر وتكفر وتفسد فتنقص من قوتها وقدرها وثرائها وتحصرها في رقعه ضيقه من الارض بعد ان كانت ذات امتداد وسلطان. وجاء في( صفوه البيان لمعاني القران) ما نصه:( او لم يروا انا ناتي الارض..) اي اانكروا نزول ما وعدناهم, او شكوا ولم يروا اننا نفتح ارضهم من جوانبها ونلحقها بدار الاسلام!! اولم يروا هلاك من قبلهم وخراب ديارهم كقوم عاد وثمود! فكيف يامنون حلول ذلك بهم!.... وجاء في صفوه التفاسير ما نصه: اي او لم ير هولاء المشركون انا نمكن للمومنين من ديارهم ونفتح للرسول الارض بعد الارض حتي تنقص دار الكفر وتزيد دار الاسلام؟ وذلك من اقوي الادله علي ان الله منجز وعده لرسوله عليه السلام. وجاء في المنتخب في تفسير القران الكريم ما نصه: وان امارات العذاب والهزيمه قائمه! الم ينظروا الي انا ناتي الارض التي قد استولوا عليها, ياخذها منهم المومنون جزءا بعد جزء؟ وبذلك ننقص عليهم الارض من حولهم, والله وحده هو الذي يحكم بالنصر او الهزيمه, والثواب او العقاب, ولا راد لحكمه, وحسابه سريع في وقته, فلا يحتاج الفصل الي وقت طويل, لان عنده علم كل شيء, فالبينات قائمه. وفي الهامش جاء ذكر ما يلي: تتضمن هذه الايه حقائق وصلت اليها البحوث العلميه الاخيره اذ ثبت ان سرعه دوران الارض حول محورها, وقوه طردها المركزي يوديان الي تفلطح في القطبين وهو نقص في طرفي الارض, وكذلك عرف ان سرعه انطلاق جزيئات الغازات المغلفه للكره الارضيه, اذا ما جاوزت قوه جاذبيه الارض لها فانها تنطلق الي خارج الكره الارضيه, وهذا يحدث بصفه مستمره فتكون الارض في نقص مستمر لاطرافها, لا ارض اعداء المومنين, وهذا احتمال في التفسير تقبله الايه الكريمه.
من الدلالات العلميه لانقاص الارض من اطرافها ترد لفظه الارض في القران الكريم بمعني الكوكب ككل, كما ترد بمعني اليابسه التي نحيا عليها من كتل القارات والجزر البحريه والمحيطيه, وان كانت ترد ايضا بمعني التربه التي تغطي صخور اليابسه. ولانقاص الارض من اطرافها في اطار كل معني من تلك المعاني عدد من الدلالات العلميه التي نحصي منها ما يلي:
اولا: في اطار دلاله لفظه الارض علي الكوكب ككل: في هذا الاطار نجد ثلاثه معان علميه بارزه يمكن ايجازها فيما يلي: (ا) انقاص الارض من اطرافها بمعني انكماشها علي ذاتها وتناقص حجمها باستمرار: يقدر متوسط قطر الارض الحاليه بحوالي12742 كم, ويقدر متوسط محيطها بنحو40042 كم, ويقدر حجمها باكثر من مليون مليون كم3. وتفيد الدراسات ان ارضنا مرت بمراحل متعدده من التشكيل منذ انفصال مادتها عن سحابه الدخان الكوني التي نتجت عن عمليه الانفجار العظيم اما مباشره او بطريقه غير مباشره عبر سديم الدخان الذي تولدت عنه مجموعتنا الشمسيه, وبذلك خلقت الارض الابتدائيه التي لم تكن سوي كومه ضخمه من الرماد ذات حجم هائل يقدر بمائه ضعف حجمها الحالي علي الاقل, ومكونه من عدد من العناصر الخفيفه. ثم ما لبثت تلك الكومه الابتدائيه ان رجمت بوابل من النيازك الحديديه, والحديديه الصخريه, والصخريه, كتلك التي تصل الارض في زماننا( والتي تتراوح كمياتها بين الالف والعشره الاف طن سنويا من ماده الشهب والنيازك).
وبحكم كثافتها العاليه نسبيا اندفعت النيازك الحديديه الي مركز تلك الكومه الابتدائيه حيث استقرت, مولده حراره عاليه ادت الي صهر كومه الرماد التي شكلت الارض الابتدائيه والي تمايزها الي سبع ارضين علي النحو التالي: 1 لب صلب داخلي: عباره عن نواه صلبه من الحديد(90%) وبعض النيكل(9%) مع قليل من العناصر الخفيفه مثل الكربون والفوسفور, والكبريت والسيليكون والاوكسجين(1%) وهو قريب من تركيب النيازك الحديديه مع زياده واضحه في نسبه الحديد, ويبلغ قطر هذه النواه حاليا ما يقدر بحوالي2402 كم, وتقدر كثافتها بحوالي10 الي13.5 جرام/سم3.
2 نطاق لب الارض السائل( الخارجي): وهو نطاق سائل يحيط باللب الصلب, وله نفس تركيبه الكيميائي تقريبا ولكنه في حاله انصهار, ويقدر سمكه بحوالي2275 كم, ويفصله عن اللب الصلب منطقه انتقاليه شبه منصهره يبلغ سمكها450 كم تعتبر الجزء الاسفل من هذا النطاق, ويكون كل من لب الارض الصلب والسائل حوالي31% من كتلتها.
3 النطاق الاسفل من وشاح الارض( الوشاح السفلي): وهو نطاق صلب يحيط بلب الارض السائل, ويبلغ سمكه نحو2215 كم( من عمق670 كم الي عمق2885 كم) ويفصله عن الوشاح الاوسط( الذي يعلوه) مستوي انقطاع للموجات الاهتزازيه الناتجه عن الزلازل.
4 النطاق الاوسط من وشاح الارض( الوشاح الاوسط): وهو نطاق صلب يبلغ سمكه نحو270 كم, ويحده مستويات من مستويات انقطاع الموجات الاهتزازيه يقع احدهما علي عمق670 كم ويفصله عن الوشاح الاسفل, ويقع الاخر علي عمق400 كم ويفصله عن الوشاح الاعلي.
5 النطاق الاعلي من وشاح الارض( الوشاح العلوي): وهو نطاق لدن, شبه منصهر, عالي الكثافه واللزوجه( نسبه الانصهار فيه في حدود1%) يعرف باسم نطاق الضعف الارضي ويمتد بين عمق65 120 كم وعمق400 كم ويتراوح سمكه بين335 كم و380 كم, ويعتقد بان وشاح الارض كان كله منصهرا في بدء خلق الارض ثم اخذ في التصلب بالتدريج نتيجه لفقد جزء هائل من حراره الارض.
6 النطاق السفلي من الغلاف الصخري للارض: ويتراوح سمكه بين40 60 كم( بين اعماق60 80 كم)120 كم ويحده من اسفل الحد العلوي لنطاق الضعف الارضي, ومن اعلي خط انقطاع الموجات الاهتزازيه المعروف باسم الموهو.
7 النطاق العلوي من الغلاف الصخري للارض( قشره الارض): ويتراوح سمكه بين(5 كم تحت قيعان البحار والمحيطات وبين(60 80) كم تحت القارات, ويتكون اساسا من العناصر الخفيفه مثل السيليكون, والصوديوم, والبوتاسيوم, والكالسيوم, والالومنيوم, والاوكسجين مع قليل من الحديد(5.6%) وبعض العناصر الاخري وهو التركيب الغالب للقشره القاريه التي يغلب عليها الجرانيت والصخور الجرانيتيه, اما قشره قيعان البحار والمحيطات فتميل الي تركيب الصخور البازلتيه. وادي هذا التمايز في التركيب الداخلي للارض الي نشوء دورات من تيارات الحمل, تندفع من نطاق الضعف الارضي( الوشاح الاعلي) غالبا, ومن وشاح الارض الاوسط احيانا, لتمزق الغلاف الصخري للارض الي عدد من الالواح التي شرعت في حركه دائبه حول نطاق الضعف الارضي نشا عنها الثورات البركانيه, والهزات الارضيه, والحركات البانيه للجبال, كما نشا عنها دحو الارض بمعني اخراج كل من غلافيها المائي والغازي من جوفها وتكون كتل القارات. هذا التاريخ يشير الي ان حجم الارض الابتدائيه كان علي الاقل يصل الي مائه ضعف حجم الارض الحاليه والمقدر باكثر قليلا من مليون مليون وثلاثمائه وخمسين كيلومترا مكعبا وان هذا الكوكب قد اخذ منذ اللحظه الاولي لخلقه في الانكماش علي ذاته من كافه اطرافه. وكان انكماش الارض علي ذاتها سنه كونيه لازمه للمحافظه علي العلاقه النسبيه بين كتلتي الارض والشمس, هذه العلاقه التي تضبط بعد الارض عن الشمس, ذلك البعد الذي يحكم كميه الطاقه الواصله الينا. ويقدر متوسط المسافه بين الارض والشمس بنحو مائه وخمسين مليونا من الكيلومترات, ولما كانت كميه الطاقه التي تصل من الشمس الي كل كوكب من كواكب مجموعتها تتناسب تناسبا عكسيا مع بعد الكوكب عن الشمس, وكذلك تتناسب سرعه جريه في مداره حولها, بينما يتناسب طول سنه الكوكب تناسبا طرديا مع بعده عنها( وسنه الكوكب هي المده التي يستغرقها في اتمام دوره كامله حول الشمس), اتضحت لنا الحكمه من استمراريه تناقص الارض وانكماشها علي ذاتها اي تناقصها من اطرافها. ولو زادت الطاقه التي تصلنا من الشمس عن القدر الذي يصلنا اليوم قليلا لاحرقتنا, واحرقت كل حي علي الارض, ولبخرت الماء, وخلخلت الهواء, ولو قلت قليلا لتجمد كل حي علي الارض ولقضي علي الحياه الارضيه بالكامل. ومن الثابت علميا ان الشمس تفقد من كتلتها في كل ثانيه نحو خمسه ملايين من الاطنان علي هيئه طاقه ناتجه من تحول غاز الايدروجين بالاندماج النووي الي غاز الهيليوم. وللمحافظه علي المسافه الفاصله بين الارض والشمس لابد وان تفقد الارض من كتلتها وزنا متناسبا تماما مع ما تفقده الشمس من كتلتها, ويخرج ذلك عن طريق كل من فوهات البراكين وصدوع الارض علي هيئه الغازات والابخره وهباءات متناهيه الضاله من المواد الصلبه التي يعود بعضها الي الارض, ويتمكن البعض الاخر من الافلات من جاذبيه الارض والانطلاق الي صفحه السماء الدنيا, وبذلك الفقدان المستمر من كتله الارض فانها تنكمش علي ذاتها, وتنقص من كافه اطرافها, وتحتفظ بالمسافه الفاصله بينها وبين الشمس. ولولا ذلك لانطلقت الارض من عقال جاذبيه الشمس لتضيع في صفحه الكون وتهلك ويهلك كل من عليها, او لانجذبت الي قلب الشمس حيث الحراره في حدود15 مليون درجه مئويه فتنصهر وينصهر كل ما بها ومن عليها.
ومن حكمه الله البالغه ان كميه الشهب والنيازك التي تصل الارض يوميا تلعب دورا هاما في ضبط العلاقه بين كتلتي الارض والشمس اذا زادت كميه الماده المنفلته من عقال جاذبيه الارض.
(ب) انقاص الارض من اطرافها بمعني تفلطحها قليلا عند القطبين, وانبعاجها قليلا عند خط الاستواء: في زمن الخليفه المامون قيست المسافه المقابله لكل درجه من درجات خطوط الطول في كل من تهامه والعراق, واستنتج من ذلك حقيقه ان الارض ليست كامله الاستداره, وقد سبق العلماء المسلمون الغرب في ذلك بثمانيه قرون علي الاقل لان الغربيين لم يشرعوا في قياس ابعاد الارض الا في القرن السابع عشر الميلادي, حين اثبت نيوتن نقص تكور الارض وعلله بان ماده الارض لاتتاثر بالجاذبيه نحو مركزها فحسب, ولكنها تتاثر كذلك بالقوه الطارده ( النابذه) المركزيه الناشئه عن دوران الارض حول محورها, وقد نتج عن ذلك انبعاج بطئ في الارض ولكنه مستمر عند خط الاستواء حيث تزداد القوه الطارده المركزيه الي ذروتها, وتقل قوه الجاذبيه الي المركز الي ادني قدر لها, ويقابل ذلك الانبعاج الاستوائي تفلطح( انبساط) قطبي غير متكافئ عند قطبي الارض حيث تزداد قوتها الجاذبه, وتتناقص قيمه القوه الطارده المركزيه, والمنطقه القطبيه الشماليه اكثر تفلطحا من المنطقه القطبيه الجنوبيه. ويقدر متوسط قطر الارض الاستوائي بنحو12756.3 كم, ونصف قطرها القطبي بنحو12713.6 كم وبذلك يصبح الفارق بين القطرين نحو42.7 كم, ويمثل هذا التفلطح نحو33.% من نصف قطر الارض, مما يدل علي انها عمليه بطيئه جدا تقدر بنحو1 سم تقريبا كل الف سنه, ولكنها عمليه مستمره منذ بدء خلق الارض, وهي احدي عمليات انقاص الارض من اطرافها.
(ج) انقاص الارض من اطرافها بمعني اندفاع قيعان المحيطات تحت القارات وانصهارها وذلك بفعل تحرك الواح الغلاف الصخري للارض: يمزق الغلاف الصخري للارض بواسطه شبكه هائله من الصدوع العميقه التي تحيط بالارض احاطه كامله, وتمتد لعشرات الالاف من الكيلومترات في الطول, وتتراوح اعماقها بين65 كم و120كم, وتفصل هذه الشبكه من الصدوع الغلاف الصخري للارض الي12 لوحا رئيسيا وعدد من الالواح الصغيره نسبيا, ومع دوران الارض حول محورها تنزلق الواح الغلاف الصخري للارض فوق نطاق الضعف الارضي متباعده عن بعضها البعض, او مصطدمه مع بعضها البعض, ويعين علي هذه الحركه اندفاع الصهاره الصخريه عبر مستويات الصدوع خاصه عبر تلك المستويات التصدعيه التي تشكل محاور حواف اواسط المحيطات فتودي الي اتساع قيعان البحار والمحيطات وتجدد صخورها, وذلك لان الصهاره الصخريه المتدفقه بملايين الاطنان عبر مستويات صدوع اواسط المحيطات تودي الي دفع جانبي قاع المحيط يمنه ويسره لعده سنتيمترات في السنه الواحده, وتودي الي ملء المسافات الناتجه بالطفوحات البركانيه المتدفقه والتي تبرد وتتطلب علي هيئه اشرطه متوازيه تتقادم في العمر. في اتجاه حركه التوسع, وينتج عن هذا التوسع اندفاع صخور قاع المحيط يمنه ويسره, في اتجاهي التوسع ليهبط تحت كتل القارات المحيطه في الجانبين بنفس معدل التوسع( اي بنصفه في كل اتجاه), وتستهلك صخور قاع المحيط الهابطه تحت القارتين المحيطتين بالانصهار في نطاق الضعف الارضي. وكما يصطدم قاع المحيط بكتل القارتين او القارات المحيطه بحوض المحيط او البحر, فان العمليه التصادميه قد تتكرر بين كتل قاع المحيط الواحد فتكون الجزر البركانيه وينقص قاع المحيط, وكما تحدث عمليه التباعد في اواسط القاره فتودي الي فصلها الي كتلتين قاريتين مفصولتين ببحر طولي مثل البحر الاحمر يظل يتسع حتي يتحول الي محيط في المستقبل البعيد وفي كل الحالات تستهلك صخور الغلاف الصخري للارض عند خطوط التصادم, وتتجدد عند خطوط التباعد, وهي صوره من صور انقاص الارض من اطرافها. وتتخذ الواح الغلاف الصخري للارض في العاده اشكالا رباعيه يحدها من جهه خطوط انفصام وتباعد, يقابلها في الجهه الاخري خطوط تصادم, وفي الجانبين الاخرين حدود انزلاق, تتحرك عبرها الواح الغلاف الصخري منزلقه بحريه عن بعضها البعض. وتحرك الواح الغلاف الصخري للارض يودي باستمرار الي استهلاك صخور قيعان كل محيطات الارض, واحلالها بصخور جديده, وعلي ذلك فان محاور المحيطات تشغلها صخور بركانيه ورسوبيه جديده قد لا يتجاوز عمرها اللحظه الواحده, بينما تندفع الصخور القديمه( التي قد يتجاوز عمرها المائتي مليون سنه) عند حدود تصادم قاع المحيط مع القارات المحيطه به, والصخور الاقدم عمرا من ذلك تكون هبطت تحت كتل القارات وهضمت في نطاق الضعف الارضي وتحولت الي صهاره, وهي صوره رائعه من صور انقاص الارض من اطرافها. ويبدو ان هذه العمليات الارضيه المتعدده كانت في بدء خلق الارض اشد عنفا من معدلاتها الحاليه لشده حراره جوف الارض بدرجات تفوق درجاتها الحاليه وذلك بسبب الكم الهائل من الحراره المتبقيه عن الاصل الذي انفصلت منه الارض, والكم الهائل من العناصر المشعه الاخذه في التناقص باستمرار بتحللها الذاتي منذ بدء تجمد ماده الارض.
ثانيا: في اطار دلاله لفظ الارض علي اليابسه التي نحيا عليها: في هذا الاطار نجد معنيين علميين واضحين نوجزهما فيما يلي: (ا) انقاص الارض من اطرافها بمعني اخذ عوامل التعريه المختلفه من المرتفعات والقاء نواتج التعريه في المنخفضات من سطح الارض حتي تتم تسويه سطحها: فسطح الارض ليس تام الاستواء وذلك بسبب اختلاف كثافه الصخور المكونه للغلاف الصخري للارض, وكما حدث انبعاج في سطح الارض عند خط الاستواء, فان هناك نتوءات عديده في سطح الارض حيث تتكون قشره الارض من صخور خفيفه, وذلك من مثل كتل القارات والمرتفعات البارزه علي سطحها, وهناك ايضا انخفاضات مقابله لتلك النتوءات حيث تتكون قشره الارض من صخور عاليه الكثافه نسبيا وذلك من مثل قيعان المحيطات والاحواض المنخفضه علي سطح الارض.
ويبلغ ارتفاع اعلي قمه علي سطح الارض وهي قمه جبل افريست في سلسله جبال الهيمالايا8840 مترا فوق مستوي سطح البحر, ويقدر منسوب الخفض نقطه علي اليابسه وهي حوض البحر الميت395 مترا تحت مستوي سطح البحر, ويبلغ منسوب اكثر اغوار الارض عمقا حوالي10,800 مترا وهو غور ماريانوس في قاع المحيط الهادي بالقرب من جزر الفلبين, والفارق بينهما اقل من عشرين كيلو مترا(1960 مترا), وهو فارق ضئيل اذا قورن بنصف قطر الارض. ويبلغ متوسط ارتفاع سطح الارض حوالي840 مترا فوق مستوي سطح البحر ومتوسط اعماق المحيطات حوالي اربعه كيلو مترات تحت مستوي سطح البحر(3729 مترا الي4500 متر تحت مستوي سطح البحر). وهذا الفارق البسيط هو الذي اعان عوامل التعريه المختلفه علي بري صخور المرتفعات والقائها في منخفضات الارض في محاوله متكرره لتسويه سطحها, وهي سنه دائبه من سنن الله في الارض, فاذا بدانا بمنطقه مرتفعه ولكنها مستويه يغشاها مناخ رطب, فان مياه الامطار سوف تتجمع في منخفضات المنطقه علي هيئه عدد من البحيرات والبرك.حتي يتكون نظام صرف مائي جيد, وعندما تجري الانهار فانها تنحر مجاريها في صخور المنطقه حتي تقترب من المستوي الادني للتحات فتسحب كل مياه البحيرات والبرك التي تمر بها, وكلما زاد النحر الي اسفل نزايدات التضاريس تشكلا وبروزا, وعندما تصل بعض المجاري المائيه الي المستوي الادني للتحات فانها تبدا في النحر الجانبي لمجاريها بدلا من النحر الراسي فيتم بذلك التسويه الكامله لتضاريس المنطقه علي هيئه سهول مستويه( او سهوب) تتعرج فيها الانهار, وتتسع مجاريها, وتضعف سرعات جريها. وقدراتها علي النحر, وبعد الوصول الي هذا المستوي او الاقتراب منه يتكرر رفع المنطقه وتعود الدوره الي صورتها الاولي, وتعتبر هذه الدوره( التي تعرف باسم دوره التسهيب) صوره من صور انقاص الارض من اطرافها, وينخفض منسوب قاره امريكا الشماليه بهذه العمليه بمعدل يصل الي0,03 مم في السنه حتي يغمرها البحر ان شاء الله.
(ب) انقاص الارض من اطرافها بمعني طغيان مياه البحار والمحيطات علي اليابسه وانقاصها من اطرافها: من الثابت علميا ان الارض قد بدات منذ القدم بمحيط غامر, ثم بتحرك الواح الغلاف الصخري الابتدائي للارض وبدات جزر بركانيه عديده في التكون في قلب هذا المحيط الغامر, وبتصادم تلك الجزر تكونت القاره الام التي تفتت بعد ذلك الي العدد الراهن من القارات, وتبادل الادوار بين اليابسه والماء هو سنه ارضيه تعرف باسم دوره التبادل بين المحيطات والقارات وتحول اجزاء من اليابسه الي بحار والتي من نماذجها المعاصره كل من البحر الاحمر, وخليج كاليفورنيا, هو صوره من صور انقاص الارض من اطرافها, ليس هذا فقط بل ان من الثابت علميا ان غالبيه الماء العذب علي اليابسه محجوز علي هيئه تتابعات هائله من الجليد فوق قطبي الارض, وفي قمم الجبال, يصل سمكها في القطب الجنوبي الي اربعه كيلو مترات, ويقترب من هذا السمك قليلا في القطب الشمالي (3800 متر), وانصهار هذا السمك الهائل من الجليد سوف يودي الي رفع منسوب المياه في البحار والمحيطات لاكثر من مائه متر, وقد بدات بوادر هذا الانصهار, واذا تم ذلك فانه سوف يغرق اغلب مساحات اليابسه ذات التضاريس المنبسطه حول البحار والمحيطات وهي صوره من صور انقاص الارض من اطرافها, وفي ظل التلوث البيئي الذي يعم الارض اليوم, والذي يودي الي رفع درجه حراره نطاق المناخ المحيط بالارض باستمرار بات انصهار هذا السمك الهائل من الجليد امرا محتملا, وقد حدث ذلك مرات عديده في تاريخ الارض الطويل الذي تردد بين دورات يزحف فيها الجليد من احد قطبي الارض او منهما معا في اتجاه خط الاستواء, وفترات ينصهر فيها الجليد فيودي الي رفع منسوب المياه في البحار والمحيطات وفي كلتا الحالتين تتعرض حواف القارات للتعريه بواسطه مياه البحار والمحيطات فتودي الي انقاص الارض( اي اليابسه) من اطرافها, وذلك لان مياه كل من البحار والمحيطات دائمه الحركه بفعل دوران الارض حول محورها, وباختلاف كل من درجات الحراره والضغط الجوي, ونسب الملوحه من منطقه الي اخري, وتودي حركه المياه في البحار والمحيطات( من مثل التيارات االمائيه, وعمليات المد والجزر, والامواج السطحيه والعميقه) الي ظاهره التاكل( التحات) البحري وهو الفعل الهدمي لصخور الشواطيء وهو من عوامل انقاص الارض ( اليابسه) من اطرافها.
ثالثا: في اطار دلاله لفظ الارض علي التربه التي تغطي صخور اليابسه: (ا) انقاص الارض من اطرافها بمعني التصحر: اي زحف الصحراء علي المناطق الخضراء وانحسار التربه الصالحه للزراعه في ظل افساد الانسان للبيئه علي سطح الارض بدا زحف الصحاري علي مساحات كبيره من الارض الخضراء, وذلك بالرعي الجائر, واقتلاع الاشجار, وتحويل الاراضي الزراعيه الي اراض للبناء, وندره المياه نتيجه لموجات الجفاف والجور علي مخزون المياه تحت سطح الارض, وتملح التربه, وتعريتها بمعدلات سريعه تفوق بكثير محاولات استصلاح بعض الاراضي الصحراويه, اضف الي ذلك التلوث البيئي, والخلل الاقتصادي في الاسواق المحليه والعالميه, وتذبذب اسعار كل من الطاقه والالات والمحاصيل الزراعيه مما يجعل العالم يواجه ازمه حقيقيه تتمثل في انكماش المساحات المزروعه سنويا بمعدلات كبيره خاصه في المناطق القاريه وشبه القاريه نتيجه لزحف الصحاري عليها, ويمثل ذلك صوره من صور خراب الارض بانقاصها من اطرافها. هذه المعاني السته( منفرده او مجتمعه) تعطي بعدا علميا رائعا لمعني انقاص الارض من اطرافها, ولا يتعارض ذلك ابدا مع الدلاله المعنويه للتعبير, بمعني خراب الارض الذي استنتجه المفسرون, بل يكمله ويجليه. وعلي عاده القران الكريم تاتي الاشاره الكونيه بمضمون معنوي محدد, ولكن بصياغه علميه معجزه, تبلغ من الشمول والكمال والدقه ما لم يبلغه علم الانسان, فسبحان الذي انزل من قبل الف واربعمائه سنه هذه الاشاره العلميه الدقيقه الي حقيقه انقاص الارض من اطرافها, وهي حقيقه لم يدرك الانسان شيئا من دلالاتها العلميه الا منذ عقود قليله, وقد يري فيها القادمون فوق ما نراه نحن اليوم, ليظل القران الكريم مهيمنا علي المعرفه الانسانيه مهما اتسعت دوائرها, وتظل اياته الكونيه شاهده باستمرار علي انه كلام الله الخالق, وشاهده للنبي الخاتم والرسول الخاتم الذي تلقاه بانه ( صلي الله عليه وسلم) كان موصولا بالوحي, ومعلما من قبل خالق السماوات والارض.
|
|