عتبر الصلاةَ وسيلةً لمُناجاة الحق تبارك وتعالى وعملاً من أعمال القُرب منه جلَّ وعلا.
ومن الآداب المطلوبة الثباتُ أثناءَ القيام مهما طال ذلك؛ وفيه التنبيه على ضرورة إقامةِ القلبِ مع الله عزّ وجلّ على حالةٍ واحدة من الحضور.
وفي الحديث الشريف قال (ص): "لا يزال الله عزّ وجلّ مُقبِلاً على العبدِ وهو في صلاتِهِ ما لم يلتَفِت".
وكما يجب صيانةَ العين والرأس عن الالتفات إلى الجهات، فكذلك يجب صيانةَ السرّ عن الالتفات إلى غير الصلاة. وإذا ما خشعَ الباطنُ ظهر ذلك في خشوعِ الظاهر.
قال (ص)، وقد رأى (ص) رجلاً مصلّيا يعبث بلحيَتِهِ، فقال: "لو خَشَعَ قلبُهُ لخَشَعَت جَوارحُهُ" وذلك لأن القلبَ بمثابةِ الراعي، وسائر الأعضاء بمثابة الرعية؛ فالرعية تكون على حال الراعي.
والصلاةُ أَقوالٌ وأَفعالٌ. فأما الأقوالُ فليست الألفاظُ مقصودةً لذاتها وإنما لما أنها تعبّر عما في القلب، ولا تكون الصلاةُ كذلك إلا مع حضور القلب. فماذا يَطلُبُ المُصلي بقوله:(اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ) إذا كان القلب غافلاً، وإذا لم يقصد التضرّعَ والدعاء؟ فما المشقّةُ في تحريك اللسان والشفتين مع الغفلة لا سيما بعد أن يعتادَ الصلاة؟ والمقصودُ من القراءةِ والأذكارِ الحمدُ والثناءٍُ على الله تعالى والتضرّعُ والدعاءُ لله عزّ وجلّ. فإذا كان القلبُ محجوباً بحجابِ الغفلةِ فلا يَراهُ ولا يُشاهدُهُ ولا يخاطبُهُ ولا يثني عليه. والركوع والسجود يفيدان تعظيم المولى جلّ وعلا، وإذا لم يكونا كذلك تحولا إلى مجردِ انحناءِ الظهر؛ وليس في ذلك الانحناء من المشقة ما يكون مقصوداً به الإمتحان. ثم يجعلُ هذه الأعمالَ عمادَ الدين والفاصل بين الكفر والإسلام. ويُقدَّمُ على الحج وسائر العبادات، ويُوِجبُ القتلَ بسبب تركهِ وحده.
وفي التنبيه على المعاني المطلوبة من العبادات نذكر قول الله تعالى: (لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ) (الحج، 37)، أي الصفة التي غَمرَت القلبَ حتى حملته على امتثال الأوامر هي المطلوبة. وقد نبّهَ المولى عزّ وجلّ على فائدة الصلاة مبيّناً ما يلزم فيها في قوله تعالى: (وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي) (طه/ 14)، أي أَقمِ الصلاةَ لتذكُرَني بها. وظاهر الأمر الوجوبُ، والغفلةُ تَضادَّ الذِّكُر. فمن صلّى غافلاً في جميع صلاته لا يكون مقيماً للصلاة لذِكرِ الله تعالى.
وفي مرحلةٍ من مراحلِ تحريمِ الخمر نزل قول الله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ) (النساء/ 43)، ففي هذه الآية الكريمة تعليلٌ لنَهيِ السَّكران عن الشرب قبلَ الصلاة، لأن سُكرَهُ يَمنَعُهُ من التدبّر والتأمل فيما يقولُ ويفعلُ، وهذا موجودٌ في كلِّ غافلٍ غارقٍ في هُمومِ الدنيا.
وفي الحديث: "المُصلّي يناجي ربَّه"، والكلام مع الغفلة لا يكون مناجاة؛ فلا تُثمِرُ صلاتُهُ – طالَتْ أو قَصُرَتْ –. وفي الحديث: "رُبَّ قائمٍ ليس له مِن قيامِهِ إلا السَّهَر".
وتختلفُ الصلاةُ عن سائرِ أركانِ الإسلام أنّ المقصود منها لا يتحقّق مع الغفلة. أما العبادات الأُخرى سواءٌ كانت مالية كالزكاة، أو بدنية كالصوم، أو منهما معاً كالحج فيحصلُ المقصود منها مع الغفلة.
والأَجرُ الكاملُ على الصلاة يكونُ مع الخشوع الكامل فيها. وكلما نقصَ خشوعُهُ نقصَ أَجرُهُ. وكلما زادَ خشوعُهُ زادَ ثوابُهُ. وفي الحديث الشريف: "إن الرجلَ لينصرفُ وما كُتِبَ له إلا عُشرُ صلاتِه تسْعُها ثُمنُها سبعُها سدُسُها خمسها ربعها ثلثها نصفها".