| موضوع: لماذا نخاف من التديّن؟ الثلاثاء 21 ديسمبر - 17:32 |
| سؤال يطرح ويجمع ويقسم على أكثر من مليار ونصف المليار مسلم حول هذه المعمورة بهم وبغيرهم من أهل الديانات الأخرى؟
ورغم ما يعاني هذا الإنسان الضعيف أمام همه وغمه ومسؤوليات حياته وتحديات مرحلته ومفاجأة الزمان وتقلبات المكان فهو كائن ركَّبه الله من العقل والروح والشهوة, فهو في صراع دائم!
أما الحيوان فقد ركب من روح وشهوة, ولكن بلا عقل, وعلى جانب آخر مختلف, فالملائكة ركبت من روح وعقل ولكن بلا شهوة! وهنا يكون الاختلاف جوهريا ذا معنى لا يغيب على كيِّس فطن
فإن سما عقل الإنسان على شهوته كان فوق الملائكة
(إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ)
وإن طغت شهوته على عقله كان أقل من الحيوانات!
وجعل الله المعرفة هي غاية للعقل وهدفه الأسمى فبها يعمل وينتج ويرشد.. ومن خلالها يحصل توازن حياته ومنها يدفع إلى المعالي والمغانم.
وهذا الذي يؤكد أن العلم الحقيقي والمعرفة الصادقة لا يؤديان في نهاية الطريق إلا لحقيقة الوجود والغرض من خلق الإنسان وتصويره في أحسن تقويم.
فأي علم لا يؤدي إلى إيمان فهو علم منقوص الحقائق, مختل الموازين, وهو وليس إلا محاولة إنسانية فاشلة للوصول لحقيقة علمية ليس إلا!
فربما يتحقق الاكتشاف ولكن لا يتحقق الغرض من الاكتشاف وهو الحقيقة الإيمانية الصافية الموصلة إلى رحاب مالك الملك سبحانه.
ولقد تأملت في أحوال أحد أغنى وأرقى بلدان العالم وأكثرها تحضرا وهي السويد, بلد كامل في بنائه المادي, وشعب من أغنى شعوب الأرض إن لم يكن أغناها وحريات وأمن وطبيعة خلابة وغير ذلك. ولكن الروح مثقلة, والنفوس مقطعة, والضيق ساد, والهم أباد, والانتحار هو الحصاد.
تخيل معي أن هذه الحضارة الكبيرة والتقدم الصناعي والتكنولوجي والاقتصادي لا يكفي لشاب أو فتاة في مقتبل العمر لكي يقرروا أن يعيشوا ما تبقى لهم من العمر, بل يكون الخيار النهائي لهم بعد الفشل في رحلة البحث عن الحقيقة هو قذف الضحية نفسه من فوق جسر الانتحار, وهو أحد أبرز المعالم السياحية للعاصمة السويدية، حيث ينتحر حوالي 21 شخصا يوميا هناك, وفي أماكن أخرى! وسوف تندهش إذا عرفت أن السويد هي الأولى في العالم في هذه الظاهرة المشينة التي تستحق منا الوقوف والتحليل قليلا.
ويزيد الأمر سوءا عند المسلمين, فهم أصحاب أعظم رسالة في التاريخ, وفيهم ومنهم انطلقت أكبر رحلة إصلاح وتغير لهذا الكوكب, فكيف يعرضون ويصدون وبين يديهم هذا الكنز العظيم.
فكم تتحمل هذه الأرواح من البؤس والشقاء والاضطراب وهذه العقول من العجز والضمور والتشتت في رحلة البحث عن الذات!
نعم إنها كذلك, حينما تسبح بعكس التيار, وكم من الوقت تحتاج لتستطيع أن تفعل ذلك يا ترى؟
إنها ليست إلا بضع سنوات فتبدأ الروح المبتعدة عن خالقها بالإجهاد, ومن ثم يبدأ الاحتقان, والتراكمات تزيد بوتيرة متسارعة, فتنفجر في النهاية حتى تصل منتهاها!
فتبدأ مرحلة إدمان التدخين, ومن ثم الخمور والمخدرات, ومن ثم تنزلق الأقدام أكثر ويتم الدخول في مراحل متقدمة من الاكتئاب والأمراض, وتصبح تلك الأقراص هي رفيق الإنسان الأول في كل مكان! ملايين الناس على هذه الحال, وجزء لا بأس منهم وهم بازدياد يتجهون إلى الانتحار أو محاولة الانتحار كحل لهذا الضيق والتأزم.
وهناك أرقام مروعة في هذا الباب, حيث ينتحر في الولايات الأميركية على سبيل المثال حوالي 21000 سنويا رغم ما يعيشه هذا البلد من تقدم ورخاء! وأؤكد لكم من هنا أن هذه النفوس لم تعرف طعم الاتصال بخالقها وعذوبة القرب منه والعيش تحث ناظريه وفي حضرته سبحانه!
لم تذق طعم الطمأنينة التي يزرعها الإيمان الصادق في النفس البشرية, وهذه الطمأنينة والراحة يتحولان إلى طاقة جبارة للعمل والإبداع والتضحية والبناء والعمل. لم تذق أن كل من تقرب إلى هذا الملك زاده سعادة ورفعة وعلوا في حياته وجنة لا يتخيلها المتخيلون ولا يتصورها المتصورون, فيها العيش السامي السرمدي الأبدي, بلا هم ولا غم ولا كبد!
ملك مهيب جبار ذو عزة إذا قال للشيء كن يكون, فعال لما يريد, عنده خزائن كل شيء, يحن على عباده, ويفرح بأعمالهم الصالحات, ويأسى لغفلتهم وإعراضهم, ويرسل لهم الرسائل تلو الرسائل, بأن رحمتي سبقت غضبي, وأن بابه لا يغلق في وجه تأب صادق, أو مقصر نادم فأقبلوا عليه.
شديد الفرحة بعودة العائدين وتوبة التائبين يكرمهم ليس بالغفران فحسب, بل يقلب سيئاتهم حسنات, وهذا كرم يجب ألا يقابله لؤم, ونبل يجب إلا تقابله خسة, فانظر نفسك, واعرف مع من أنت من هؤلاء؟
فهل تُعرض عليك أيها الإنسان صحبة ملك الملوك المعز المذل الرافع الخافض العزيز الرحيم الغفور الودود وترفض!
وتتسابق لإرضاء خلقه والتفاني معهم, وتقصر معه وتجافيه وتتخوف من العيش تحت لوائه رغم أنك تعلم أنه صانع المجد والعزة وأنه يمهلك ولكن لا يهملك!
أي تعاسة تدفع عقل الإنسان للهروب من الخير ولزوم الغير والتمسح بأقدام البشر الذين لا يملكون ضرا ولا نفعا لأنفسهم. فكيف بغيرهم؟! وتنسى خالقك وبارئك وصانعك من عالم اللاوجود إلى عالم الوجود من اللاشيء إلى كل شيء!
كم أنت عدو لنفسك أيها الإنسان حينما لا تدرك حقيقة وجودك, ولا الدور المطلوب منك, فأنت هنا ضائع من الضائعين, تائه مع التائهين, ملكت البصر وفقدت البصيرة, وغرتك قوتك, وخانك عقلك, حيث أوردك المهالك.
فأفق وتأمل حالك, وقرر أين موقعك من الإعراب, وهل أنت نكرة أم معرفة, وهذا كله بعملك وإخلاصك وعطائك ومنتوج حياتك الإيجابي في الخير, وإقبالك على الصالحات وإدبارك عن السيئات.
فصحح ما كان من مثالب وعثرات, وقل في نفسك سوف أكون الأول دائما, وأبدأ فيما يرضيه عني سبحانه. فبقدر عملك ستكون حياتك وسعادتك, وعليه يتقرر مصيرك قبل مماتك وبعده, فابتغ الخير أينما كان, وانصرف عن الشر حيثما وقع.
وانطلق في رحلة أبدية في بساتين السعداء الغناء, تتأمل الورود الندية, وتستنشق أجمل الرياحين الزكية, وتستمتع بالأجواء المخملية, تزهو روحك بسحر المكان وصوت تغريد البلابل والطيور وخرير الماء الصافي العذب من الينابيع والغدران, يداعب أسماعك وأنت بحال نشوة وانشراح وسرور.
وارفع ناظريك قليلا لكي ترى عنوانا لهذا البستان المزهر المثمر مكتوبا بماء الذهب المصدر : |
|
| موضوع: رد: لماذا نخاف من التديّن؟ الجمعة 11 مارس - 10:45 |
| |
|