أن ما تعانيه المرأة من إجحاف في حقوقها، وتحجيم لشخصيتها، لا نستطيع أن نضع اللوم فيه على الدين الإسلامي ولا يمكن تصديق النظرة الشائعة التي تتهم فيه دول الغرب العالم الإسلامي حول مكانة المرأة بأنها جاءت نتيجة لتعاليم الدين الإسلامي في القرآن الكريم، والتي يُنظر لها من الخارج كدليل على التعسف والدموية الموجودة في الدين الإسلامي كما يدعون والذي هو من أروع الرسالات وأسماها وأطهرها، فالصورة للمرأة في العالم الإسلامي أكثر تعقيدا مما يعتقد الإنسان. إنها قضية هيمنة بشرية على نوع آخـر من البشر لا غير، إنها – كما ذُكر لمرات عديدة – سطو ذكوري على نعومة الأنوثة، إنها مسألة تغلب القوي على الضعيف كما يحلو القول للجميع، أصحاب السلطة والسطوة من ساسة وعلماء اجتماع ونفس وفلاسفة ورياضيون وفيزياوين من الجنس الذكري، ولا نستثني منهم إلا القليل حتى لا نظلم أحدا من الجنس الذكري – كما ظُلمت المرأة! وسوف نشير إليه بعد قليل – إن الاضطهاد الاجتماعي التي تعاني منه المرأة لن يأتي في القرآن الكريم، ولن ينزل به كلام الله مطلقاً، بل حباها الله بكل نعمة من قوة ومقدرة وذكاء ودهاء وقابلية إدارية جبارة لو أعطيت لها الفرصة لحققت نجاحات ربما تكون أكبر من الرجل، فإذا هي أم ناجحة، فكيف لم يكن باستطاعتها أن تكون إدارية ناجحة في عملها؟! إن معظم المجتمعات الإسلامية هي مجتمعات تراثية، والمرأة هي التي تتحمل أعباء هذا التراث المتراكم البعيد عن الإسلام والمحبوس داخل طقوس ومراسيم خلقها الفرد لوحده من أجل السيطرة من مركز القوة، وترك وأهمل وتجاهل ما جاء في القرأن الكريم من تعاليم واضحة في العلاقات الإنسانية وخاصة ما يتعلق بالمرأة، إن أول من وضع أُسس المساواة بين الرجل والمرأة ووثقها في كتابه العزيز هو الله عزّ وجل حيث قال: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَـئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} التوبة: 71. وقال تعالى: {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا} الأحزاب: 35. وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} الحجرات: 13.
وهذا ما ينادي به ثلة من المصلحين والمنادين بحقوق المرأة ومساواتها بالرجل في المجتمع حتى من قبل الطبقة المثقفة الواعية من النخبة من الرجال، إذا كان الله سبحانه وتعالى أول من وضع ودعا إلى هذه المساواة، فلماذا التحريف من قبل المتشددين الذين يحاربون في سبيل قمع المرأة وحبسها في قبو الرجعية الجاهلية – وهذا شبيه بوأد البنات – قبلا كانت تقتل البنت وتدفن، والآن تقتل وتدفن تهميشا لها في المجتمع، متخذين الدين وسيلة لمحاربتها، لقد طالبت جميع التنظيمات المنادية بحقوق المرأة ومنظمة حقوق الإنسان بتنظيم الأحوال الشخصية الذي يتعلق بالطلاق والنفقة وحضانة الأطفال حسب ما جاء في القرآن الكريم من نصوص صريحة تُحرَّم أذى المرأة وحرمانها من أطفالها، إلا في موارد خاصة استثنائية، كما أن هناك حقوق للرجل لا يجوز حرمانه منها وتجاوزها، ويجب أداءها، إلا في موارد خاصة كذلك، إن القرآن الكريم صان حقوق المرأة جميعها ولم يغفل أي نقطة حتى في إرضاع أطفالها وهذا تكريم للمرأة واعتراف بإمومتها للطفل وتقديرا لجهودها، هذا هو القرآن كلام الله المنزل على رسوله المختار صفي الأنبياء محمد بن عبد الله ألف الصلاة والسلام عليه وعلى آله وأصحابه المنتجبين الكرام إلى يوم الدين، لقد حبى الله المرأة وخلقها بأبدع صورة ومنحها كل حقوقها كإنسانة تتساوى مع الرجل في كل شيء، لكل منهما واجبه الخاص المناط به في هذه الحياة. وعسى أن يتعظ من يحرم المرأة من حقوقها ويتجاوز على كلام الله.
{لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَآ أَنتَ مَوْلاَنَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ}. البقرة: 286. والسلام.