الحديث الرابع :
"إنما الشؤم في ثلاثة: في الفرس والمرأة والدار" [رواه البخاري ومسلم]
التشاؤم بالمرأة ليس من عقيدة الإسلام :
وفي
هذا السياق يرد حديث صحيح ، بيد أن معناه الصحيح لا يطعن في المرأة ولا
يزري بها، كما يرد على ألسنة من يجهل هذا المعنى . والحديث هو ما رواه
عبدالله ابن عمر( رضي الله عنه) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "
إن كان في شيء : ففي المرأة ، والفرس ، والمسكن” رواه البخاري،
كتاب الجهاد ، باب ما يذكر من شؤم الفرس ، ومسلم ، كتاب السلام ، باب
الطير والفأل وما يكون فيه التشاؤم . والموطأ ، كتاب الاستئذان ، باب ما
ينفي من الشؤم .. فالحديث متفق على صحته ، لا شك في ذلك .
وظاهر
هذا الحديث يمثل إشكالاً ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نفى - في أحاديث
لا تقل صحة عنه - أن تكون هناك حقيقة للتشاؤم في عقيدة الإسلام الصحيحة ؛
لأن الأمور تجري بمقادير مقدرة ، وقد كان التشاؤم والتطير من عقائد أهل
الجاهلية الراسخة ، فجاء الإسلام ليهدمها ويلغيها ، ويحل محلها ( التوكل
على الله تعالى مع الأخذ بالأسباب ) .
وقد
جاء مصطلح ( التطير ) بمعنى التشاؤم من أن عرب الجاهلية كانوا ( إذا هموا
بسفر أو أمر هام ) يزجرون الطير ، ليطير ، فإذا اتجه على نحو ما تشائموا به
، فجاءت الأحاديث الصحيحة تنهى عن ذلك وتنكر أن يكون في العقيدة الصحيحة
تطير أو تشاؤم ، ومن ذلك ما رواه البخاري عن عبدالله بن عمر ( رضي الله
عنهما ) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " لا عدوى ، ولا طيرة .
والشؤم في ثلاث : في المرأة ، والدار ، والدابة " ، كما يروي عن أبي هريرة (
رضي الله عنه ) قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " لا طيرة
، وخيرها الفأل " قالوا : وما الفأل ؟ قال : " الكلمة الصالحة يسمعها
أحدكم " ، كذلك يروي عن أنس رضي الله تعالى عنه عن النبي صلى الله عليه
وسلم قال : " لا عدوى ولا طيرة ، ويعجبني الفأل الصالح ، الكلمة الحسنة " (
كتاب الطب ، باب الطيرة ) .
كذلك
يروي البخاري في صحيحه عن ابن عباس ( رضي الله عنهما ) - في حديث طويل -
عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه يدخل الجنة مع أمته سبعون ألفاً ،
يدخلونها بغير حساب ، وأول صفاتهم أنهم ( لا يتطيرون ) وآخرها ( وعلى ربهم
يتوكلهم ) ( كتـــاب الطب ، باب من لم يرق ) .
وكذلك
يروي مسلم في صحيحه عن أبي هريرة ( رضي الله عنه ) أن رسول الله صلى الله
عليه وسلم قال : " لا عدوى ، ولا طيرة .. " ، وكذلك يروي عن جابر رضي الله
عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " لا عدوى ، ولا طيرة .. " كذلك
يروى عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم
يقول : " لا طيرة ، وخيرها الفأل " قيل : يا رسول الله ، وما الفأل ؟ قال :
" الكلمة الصالحة يسمعها أحدكم " ، وكذلك يروي حديث أنس رضي الله عنه أن
نبي الله صلى الله عليه وسلم قال : " لا عدوى ، ولا طيرة ويعجبني الفأل :
الكلمة الحسنة : الكلمة الطيبة " ( صحيح مسلم ، كتاب الاستئذان ، باب لا
عدوى ولا طيرة ) .
وظاهر
هذا يمثل إشكالاً ، فهذه كلها أحاديث صحيحة لا شك في شيء منها ، قسم منها
ينفي الشؤم مطلقاً بلا النافية للجنس ، وقسم يثبته في هذه الأشياء الثلاثة :
المرأة ، والفرس ، والدار ، فكيف نفهم الأمور إذن ؟
لقد قال الشوكاني
بحق : " والأحاديث في الطيرة متعارضة " ومعلوم أن التعارض بين أدلة الشرع
الصحيحة إنما هو تعارض بين ظواهرها - وليس في حقيقتها - إذ إن الشريعة كلها
تدور على أمور لا اختلاف فيها ولا اضطراب ولا تناقض .. فكيف نفهم مجموع
الأحاديث السابقة ؟ هناك ثلاثة تفسيرات قال بكل منها بعض السلف :
التفسيرالأول :
ما قالته السيدة عائشة ( رضي الله عنها ) من أن الأحاديث التي نسبت الشؤم
إلى هذه الثلاث إنما كانت تحكي ما كان في الجاهلية مما هدمه الإسلام ، حيث
يروي ابن قتيبة
بسنده أن رجلين دخلا على عائشة ( رضي الله عنها ) فقالا : إن أبا هريرة
يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " إنما الطيرة في المرأة
والدابة والدار " فطارت شفقاً ثم قالت : كذب - والذي أنزل القرآن على أبي
القاسم - من حدث بهذا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم : " كان أهل الجاهلية يقولون : إن الطيرة في الدابة
والمرأة والدار " ثم قرأت ( ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها .. ) (الحديد 22 ) .
وعلى هذا يعرض ابن قتيبة ما رواه مالك وغيره
أن امرأة جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت : يا رسول الله ،
دار سكناها والعدد كثير والمال وافر ، فقل العدد وذهب المال ، فقال رسول
الله صلى الله عليه وسلم : " دعوها ذميمة " ( الموطأ ) كتاب الاستئذان ،
باب ما ينفى من الشؤم ، وعن أنس أخرجه أبو داود ( في كتاب الطب ، باب في
الطيرة ) فيفسره ابن قتيبة
بأنه إنما أمرهم بالتحول عنها ؛ لأنهم كانوا مقيمين فيها - بعد ما حدث ما
حدث لهم فيها - على استثقال ظلها واستيحاش بما نالهم فيها فأمرهم بالتحول ؛
لأن الله تعالى جعل في غرائز الناس كراهية ما نالهم السوء فيه - وإن كان
لا سبب له فيه - فليس هذا الأمر إقراراً لهم على الشؤم منها ، إنما هو محض
نصح بترك ما هو مذموم عندهم والانصراف عما هو مكروه إلى غيره ، مراعاة
لحالتهم النفسية تجاهه .
ثم يقول ابن قتيبة
: وكيف يقرهم على التشاؤم وهو مخالف لعقيدة الإسلام الصحيحة ، وقد كان
العقلاء من أهل الجاهلية لا يتطيرون ويمدحون من كذب به ولم ير أن له أثراً ،
كما قال الشاعر :
وليس بهياب إذا شد رحلـــــــه.... يقول عداني اليــــــوم واق وحاتــم
ولكنه يمضي على ذاك مقدماً .....إذا صد عن تلك الهنات الخثـارم
كذلك يشير ابن قتيبة
بحق إلى ما ورد في الأحاديث السابقة من أنه صلى الله عليه وسلم كان يحب
الفأل بمعنى : الكلمة الحسنة ، ويقرر أنه ليس معنى هذا أنه صلى الله عليه
وسلم كان يرى - في مقابل الطيرة - أن هذه الكلمات الحسنة لها أي أثر في
وقوع الخير ، فذلك كله بقضاء الله وقدره ، ولا تصح عقيدة المسلم إلا بأن
يؤمن بالقدر خيره وشره حلوه ومره ، وأن يؤمن - كما أشارت السيدة عائشة -
رضي الله عنها - بأن من تقدير الله تعالى وحده ، لا دخل لغيره فيـــــه ( وكان أمر الله قدراً مقدوراً )
( الأحزاب 38 ) ويعلل ذلك كله بأن النفس البشرية جبلت على حب سماع ما
يوافق مقاصدها ، فلو كان مريضاً فسمع من يقول ( يا سالم ) مثلاً استبشر بها
" والسامع لهذا يعلم أنه لا يقدم ولا يؤخر ، ولا يزيد ولا ينقص ، ولكن جعل
في الطباع محبة الخير والارتياح للبشرى والمنظر الأنيق والوجه الحسن . وقد
يمر الرجل بالروضة المنورة ( المزهرة ) فتسره وهي لا تنفعه ، وبالماء
الصافي فيعجب به وهو لا يشربه ولا يورده " .
ويؤيد هذا التفسير
المتكامل للتطير والفأل ما أورد مسلم في صحيحه عن معاوية بن الحكم السلمي
قال : قلت : يا رسول الله ، أموراً كنا نصنعها في الجاهلية ، كنا نأتي
الكهان ، قال : " فلا تأتوا الكهان " ، قلت : كنا نتطير ، قال : " ذاك شيء
يجده أحدكم في نفسه ، فلا يصدنكم " ( كتاب السلام ، باب تحريم الكهانة
وإتيان الكهان ) ، هذا بالنسبة للتطير ، أما الفأل الحسن فما رواه مالك عن
يحيى بن سعيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال للقحة تحلب : " من يحلب
هذه ؟ " فقام رجل ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما اسمك ؟ "
قال مرة ( بتشديد الراء وضم الميم ) ، فقال له رسول الله صلى الله عليه
وسلم ( اجلس ) ، ثم قال : " من يحلب هذه ؟ " فقام رجل فقال له رسول الله
صلى الله عليه وسلم : " ما اسمك " ، فقال حرب ، فقال له رسول الله صلى الله
عليه وسلم : " اجلس " ثم قال : " من يحلب هذه ؟ " فقام رجل فقال له رسول
الله صلى الله عليه وسلم : " ما اسمك ؟ " فقال : يعيش ، فقال له رسول الله
صلى الله عليه وسلم : " احلب " ( الموطأ ، كتاب الاستئذان ، باب ما يكره من
الأسماء ) .
خلاصة
هذا التفسير أن الطيرة والتشاؤم من عقائد أهل الجاهلية التي أتى الإسلام
لهدمها وإحلال الاعتقاد بالقدر والتوكل على الله مكانها ، بيد أن النبي صلى
الله عليه وسلم - مع اعتقاده بأنه لا تشاؤم ولا تفاؤل في الإسلام ، بمعنى
أنه لا أثر لهما في الضر أو النفع - كان يحب أن يسمع الكلمة الحسنة الطيبة
والاسم الحسن الطيب المبشر ؛ لأنهما يبعثان على السرور والرضا والبشر في
السامع فحسب ، فلهما أثر نفسي في الانشراح والطمأنينة لا ينكران . وقد مر
بنا - من هذا القبيل - حرصه صلى الله عليه وسلم على تغيير الأسماء المنكرة (
من ناحية العقيدة أو من الناحية الجمالية المحضة ) إلى أسماء حسنة أخرى.
ولهذا
كله عمق تربوي هام جداً في تكوين الشخصية المسلمة والمجتمع الإسلامي بعامة
حيث يريد النبي صلى الله عليه وسلم أن تشع فيه الكلمات والتسميات الطيبة
الحسنة المعجبة ، مما يبعث على الرضا والتوافق والطمأنينة وهدوء الأعصاب ،
ويثير في المسلمين نزعة جمالية ترفض كل قبيح شكلاً ولفظاً ومعنى .. و " إن
الله جميل يحب الجمال " .
والتفسير الثاني : للأحاديث السابقة ذهب إليه مالك
وطائفة من العلماء : حيث قالوا : الأحاديث على ظاهرها ، والأصل في الإسلام
أنه لا طيرة ولا تشاؤم إلا إذا كان في واحد من هذه الثلاثة " وإن الدار قد
يجعل الله تعالى سكناها سبباً للضرر أو الهلاك ، وكذلك اتخاذ المرأة
المعينة ، أو الفرس - أو الخادم ( في بعض الروايات ) قد يحصل الهلاك عنده
بقضاء الله تعالى ، ومعناه : قد يحصل الشؤم في هذه الثلاثة - كما صرح به في
رواية " إن يكن الشؤم في شيء " . وقال الخطابي
وكثيرون : هو في معنى الاستثناء من الطيرة أي الطيرة منهي عنها إلا أن
يكون له دار يكره سكناها ، أو امرأة يكره صحبتها ، أو فرس أو خادم ،
فليفارق الجميع بالبيع ونحوه ، وطلاق المرأة " .
وعلى هذا التفسير
بظاهر الأحاديث فقد ألغى الإسلام تطير الجاهلية كله من تشاؤم وتفاؤل
بالأشياء ، لكنه استثنى من ذلك : الدار ، المرأة ، والفرس - وفي رواية :
والخادم - وأثبت في كل منها احتمال الشؤم وتضمنه له ، كما استثنى الفأل
الحسن بمعنى الكلمة الطيبة التي يسمعها صاحب الحاجة ، فتشير إلى قضائها ،
كمن هو من خلاف أو نزاع مع أخر ، فسمع من ينادي ( يا منصور ) أو ( أنت
منصور ) فتفاءل به في قضيته .
وهناك تفسير ثالث :
للأحاديث ذهب إليه بعض العلماء وهو أن الشؤم هنا ليس على ظاهره مما كان في
الجاهلية وإنما معناه عدم موافقة هذه الأشياء للإنسان ، ( فشؤم الدار :
ضيقها ، وسوء جيرانها ، وأذاهم .
وشؤم المرأة : عدم ولادتها ، وسلاطة لسانها ، وتعرضها للريب .
وشؤم الفرس : ألا يغزى عليها ، وقيل : حرانها وغلاء ثمنها .
وشؤم الخدم سوء خلقه
، وقلة تعهده لما فوض إليه ,ووجه الحصر في الثلاثة هو بالنسبة إلى العادة ،
لا إلى الخلقة ؛ لأنها لم تخلق شؤماً على العباد ، بل خلقت منفعة لهم ،
وإنما الشؤم في سوء أفعالهم ، وما مسهم من الكوارث فيما كسبوه ، كما قال
تعالى : ( وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفوا عن كثير )
( الشورى 30 ) وهذه الأشياء ظروف جعلت مواقع الأقضية ليس لها بانفسها
وطباعها تأثير ، إلا أنها لما كانت أعم الأشياء التي يقتنيها الإنسان ،
وكانت في غالب الأحوال لا يستغنى عنها ولا يخلوا من عارض مكروه في زمانه -
أضيف الشؤم واليُمن إليها إضافة مكان ، وهما صادران عن المنفرد بالإرادة
النافذة والتقدير والإيجاد والتأثير ( ذلك تقدير العزيز العليم ) ( الأنعام 96 ) .
ونخلص
من هذا كله إلى أن العرب في الجاهلية أولعوا بالتشاؤم والتفاؤل بالأشياء
وفي مقدمتها المرأة - ثم أتت الأحاديث السابقة الصحيحة : بعضها ينفي التطير
والتشاؤم جملة ، وبعضها الآخر يثبته - أو يكاد - في الأمور السابقة
الثلاثة أو الأربعة - ومنها المرأة - وقد قدم العلماء فيها ثلاثة تفاسير : أولها وثالثها ينفيان حقيقة الشؤم عن هذه الأمور ، وثانيها فحسب هو الذي يثبته فيها ، على معنى أن الله تعالى قدره فيها أحياناً ، فمن صادفه وارتبط بها أضير مما قضى فيها من شؤم .
الخلاصة
لكننا حين نحتكم إلى واقع الحياة التي يعيشها الناس نجد أن التشاؤم والتفاؤل يرتبطان عند كثير من الناس بأمور أخرى غير هذه الثلاثة أو الأربعة ، فهناك من يرتبط عند تفاؤل أو تشاؤم بطائر معين ، أو حيوان معين ، أو إنسان معين ( رجلاً كان أمامرأة أم طفلاً ) ، أو بعادة معينة ، أو بظاهرة كونية خاصة ، أو غير ذلك مما لاتزال البشرية - مع تقدمها التجريبي الكبير - سادرة في الاعتقاد في نفعه أو ضره ، بلإن في مجال تشاؤم وتفاؤل البشر - حتى اليوم - ما يثير لتفاهته استهزاء كل ذي عقل . فهناك من يتفاءل برجل أرنب محنطة ، أو بناب فيل مسكين ، أو بجلد ثعلب ما ... إلى آخر الخرافات والأساطير التي ما زالت تتحكم في سلوك كثير من البشر ، بل الأعجب منهذا أن بعض هؤلاء ملحد لا يؤمن بالله تعالى ولا يدين بأي دين ، ومع هذا يؤمن بالتشاؤم والتفاؤل .
وأعتقد أن الإسلام جاء لهدم هذا كله ونفيه وإخراج البشرية من العبودية له ، إلى العبودية لله تعالى وحده ، خالق الكون دون شريك ، المتصرف فيه بالقهر والجبروت دونمنازع ( ألا له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين ) " الأعراف 54 " ، فمن نسب شيئاً من التصرف بالنفع أو الضرر أو ألحقه به على أي نحو دون الله تعالى أو معه - فقد خالف عقيد الإسلام الصحيحة ( قل كل من عند الله فمال هؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثا ) " النساء 78" .
وقد بين رسول الله صلى الله عليه وسلم ( في نصوص الأحاديث السابقة ، وفي غيرها أيضاً) أنه لا عدوى مؤثرة بنفسها ، بدليل أنه قد توجد أسبابها ولا تؤدى نتيجتها ،ثم : من أعدى الأول .؟ كذلك بين أن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا يخسفان لموت أحد ولا لحياته ، وأيضاً علم ابن عمه عبد الله بن عباس ( رضي الله عنهما ) - وعلم الأمة معه - أنه " لو اجتمعت الإنس والجن على أن يضروك لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك ... رفعت الأقلام وجفت الصحف " .
من أجل ذلك كله نرجح التفسير الأول الذي قدمته السيدة عائشة ( رضي الله عنها ) - وكفى بها ملازمة للنبي صلى الله عليه وسلم ومعرفة بعقيدة الإسلام الصحيحة - وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتكلم في سياق ما كان عند أهل الجاهلية من تشاؤم فسمع أبو هريرة وبعض الصحابة بعض كلامه - لقدومهم إلى مجلسه متأخرين مثلاً أو لنحو ذلك - فظنوا انه يقرر أحكاماً في الإسلام ، وإنما كان يصف بعض أحوال الجاهلية .
وبهذا التفسير تنهدم كل عقائد الجاهلية وآثارها ، ولا يبقى من الشؤم والتطير شيء - ويتحرر المسلم من كل آثارهما لتخلص عقيدته لله تعالى وحده كما ينبغي - أما حبه صلى الله عليه وسلم للفأل بمعنى الكلمة الطيبة - فقد قدمنا فيه وفي أثره النفسي والتربوي في تربية الفرد والمجتمع ما يكفي .
ونرى أن الرأي الأول أرجح من الثالث ( الذي ينفي أيضاً حقيقة الشؤم في هذه الأمور ، ليقدم فيها معنى آخر مجازياً هو عدم توافقها مع الإنسان ومعاناته منها) وذلك لأن حمل الكلام على حقيقته أولى .
أما التفسير الثاني الذي يثبت الشؤم في هذه الأمور فهو عندنا مرجوع مرفوض ،لأنه يثير إشكالاً عقدياً في الإسلام يفتح المجال لدعوى الملاحدة بتناقض نصوص الشريعة بعضها مع بعض ، وقد قوى ذلك عندنا - كما أسلفنا - أنه على مستوى واقع الحياة ، فإن التشاؤم غير مقتصر على هذه الأمور الثلاثة أو الأربعة ، بل يجاوزها إلى أمور أخرى عديدة ما يزال بعض البشر يعتقدون في التشاؤم منها أو التفاؤل بها .. وبهذا كله ننتهي إلى أن الإسلام قد رفـــــع عن ( المرأة ) إصر العقيدة الجاهلية التي كانت تنسب الشؤم إليها وتخصها به دون الرجل مع أن النظرة المنصفة فيهم لوتأملت مجرى الأمور لتبين لها أن ( الرجل ) أيضاً قد يتصادف أن تضار المرأة بالارتباط به ، فلم خصت المرأة في كافة أحوالها منازل الهوان والدونية والمسئولية الأصلية عن كل شر ، وكان لهذه العقيدة الباطلة روافدها المتسربة إلى عرب الجاهلية من الديانات الأخرى ، حيث كان اليهود يعيشون بين ظهرانيهم ، وكان للنصارى تجمعات فيتغلب وغيرها من شبه جزيرة العرب .
وقد حرر الإسلام المرأة من كل تلك العقائد الباطلة ، كما حرر الرجل من خطأ اعتقادها ولله الحمد والمنـة
*****