زواج الرسول صلى الله عليه وسلم من عائشة رضي الله عنها
يرى المعترضون أن في زواج الرسول صلى الله عليه وسلم من عائشة - رضي الله عنها - وهي صغيره ، مانعين اثنين :
المانع الأول : فسيولوجي أو جسدي ، إذ أن عائشة - رضي الله عنها - لم تكن مكتملة الأنوثة على حد زعمهم .
المانع الثاني : عقلي ، فلم يكن قد اكتمل نضجها العقلي - رضي الله عنها - كي تقرر وتختار شريك حياتها .
وللرد نقول
بالنسبة للمانع الأول : ألا يعلم هؤلاء المعترضون أنّ نضوج الفتاة في المناطق الحارّة عادة ما يكون مبكّر جداً ، وان الحيض يظهر في المناطق الحارة قبل المناطق الباردة مما يدل على أن عامل المناخ له تأثير كبير على نضوج الفتاة وانتقالها من سن الطفولة إلى سن المراهقة ، والمعتاد أن لا تحيض المرأة قبل تسع سنين. وليس في ذلك دليل من نصوص الشرع، ولكن دليله الاستقراء: أنه لم ينقل أن امرأة حاضت حيضاً شرعيا قبل تسع سنين.
وعن عائشة - رضي الله عنها - قالت : " إذا بلغت الجارية (الفتاة الصغيرة) تسع سنين، فهي امرأة ". أي مع الحيض. وهذا قالته بناء على استقرائها. ويمكنك أخي القارىء أن تراجع الموسوعات الطبية لمعرفة متوسط سن الحيض لكل دولة وإقليم .
والآن ما معنى أن تحيض المرأة ؟ أليس هذا يعني أن المبيضين قد بدءا في العمل وأن الجسم قد بدأ يفرز الهرمونات الخاصة بالرغبة الجنسية !!
أضف إلى ذلك أن السيدة عائشة رضي الله عنها كان من صفاتها ، على صغر سنها ، أنّها كانت ناميةً ذلك النمو السريع ، قال النووي: قال الداودي: " وكانت - رضي الله عنها - قد شبت شباباً حسناً ". العوام الآن يعبرون عن هذه الظاهرة بقولهم : قطعتها كبيرة . فالعبرة بالمرأة في قطعتها لا في عمرها ، كانت على صغر سنِّها ناميةً ذلك النمو السريع الذي تنموه نساء العرب وبدليل انها كانت مخطوبة لجبير ابن المطعم قبل زواجها من النبي صلى الله عليه وسلم ، وان قريش التي كانت تتربّص بالرسول الدوائر لتأليب الناس عليه من فجوة أو هفوة أو زلّة، لم تُدهش حين أُعلن نبأ هذا الزواج ، بل استقبلته كما تستقبل أيّ أمر طبيعي.
أما بالنسبة للمانع الثاني فنقول :
ان هؤلاء المعترضون ينظرون لهذا الزواج بعين الهوى وبدوافع شيطانية ، بينما المسلم يعلم بأن هذا الزواج كان بوحي وإرشاد من الله سبحانه وتعالى ، وقد كانت له دواعيه الاجتماعية والتشريعية والسياسية ، ففي صحيح البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعائشة : " رَأَيْتُكِ قَبْلَ أَنْ أَتَزَوَّجَكِ مَرَّتَيْنِ رَأَيْتُ الْمَلَكَ يَحْمِلُكِ فِي سَرَقَةٍ مِنْ حَرِيرٍ فَقُلْتُ لَهُ اكْشِفْ فَكَشَفَ فَإِذَا هِيَ أَنْتِ فَقُلْتُ إِنْ يَكُنْ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ يُمْضِهِ .. " [ صحيح البخاري / التعبير / ثياب الحرير في المنام ]
فزواجه صلى الله عليه وسلم من عائشة كائن بأمر الله لا محالة .. وسواء تزوجها الرسول وهي كبيرة أم تزوجها وهي صغيرة فهي لن تكون إلا له .... هكذا أراد الله ... وهنا تتجلى الحكمة الإلهية في هذا الزواج المبكر ، فعائشة - رضي الله عنها - هي بنت الصديق أبو بكر التميمي القرشي ، وبزواجه صلى الله عليه وسلم منها يكون عليه الصلاة والسلام قد اتصل بقبيلة أبي بكر اتصال مصاهرة ونسب ، مما جعل بعض القلوب تلتف حوله وتلتقي حول دعوته في إيمان وإكبار وإجلال.
ولقد شاء الله أيضاً أن تنشأ عائشة في بيت النبوة وهي صغيره وتشاهد الرسول وتسمع حديثه وتتعلم منه لتكون مرجعاً لنساء المسلمين في كثير من شؤون دينهم ، فالعلم في الصغر كالنقش في الحجر ... وهو ما تم بالفعل ، فلقد عاشت رضي الله عنها بعد رسول الله زمنا طويلا ( حوالي 42 سنة ) تنشر العلم. وقد أصبحت - رضي الله عنها - بفضل هذا الزواج أماً للمؤمنين في كل زمان وفى كل مكان.
انه عليه الصلاة والسلام لم يتزوّج السيدة عائشة رضي الله عنها من أجل المتعة، وهو الذي بلغ الخامسة والخمسين من عمره، وإنّما كان ذلك لتوكيد الصلة مع أحبّ الرجال إليه عن طريق المصاهرة، خاصّة بعد أن تحمّل أعباء الرسالة وأصبحت حملاً ثقيلاً على كاهله، فليس هناك مجال للتفكير بهذا الشأن، ولو كان عليه الصلاة والسلام همّه النساء والاستمتاع بهنّ لكان فعل ذلك أيّام كان شاباً حيث لا أعباء رسالة ولا أثقالها ولا شيخوخة، بل عنفوان الشباب وشهوته الكامنة. غير أنّنا عندما ننظر في حياته في سنّ الشباب نجد أنّه كان عازفاً عن هذا كلّه، حتّى إنّه رضي بالزواج من السيدة خديجة رضي الله عنها الطاعنة في سنّ الأربعين وهو ابن الخامسة والعشرين. ثمّ لو كان عنده هوس بالنساء لما رضي بهذا عمراً طويلاً حتّى تُوفّيت زوجته خديجة رضي الله عنها دون أن يتزوّج عليها. ولو كان زواجه منها فلتة فهذه خديجة رضي الله عنها توفّاها الله، فبمن تزوّج بعدها؟ لقد تزوّج بعدها بسودة بنت زمعة العامرية جبراً لخاطرها وأنساً لوحشتها بعد وفاة زوجها وهي في سنّ كبير، وليس بها ما يرغّب الرجال والخطّاب. هذا يدلّ على أنّ الرسول صلى الله عليه وسلم كان عنده أهداف من الزواج إنسانية وتشريعية ودعوية ونحو ذلك.