إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ؛ وأشهد أن محمداً عبده ورسوله يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ [آل عمرآن:102].
يأيُهَا النّاسُ اتَقُوا رَبَكُمُ الّذِى خَلَقَكُم مِن نَفسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنهَا زَوجَهَا وَبَثَ مِنهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَآءً واتَقُوا اللّهَ الذِى تَسَآءَلُونَ بِهِ وَالأَرحَامَ إنّ اللّه كانَ عَلَيكُم رَقِيباً [النساء:1].
يَاأيُهَا الّذِينَ ءَامَنُوا اتّقُوا اللّه َ وَقُولُوا قَولاً سَدِيداً يُصلِح لَكُم أعمَالَكُم وَيَغفِر لَكُم ذُنُوبَكُم وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَرَسُولَهُ فَقَد فَازَ فَوزاً عَظِيماً [الأحزاب:71،70].
أما بعد:
أحبتي في الله... إننا على موعد مع موضوع خطير من موضوعات الساعة... ومرض مدمر من أمراض المجتمع.
وكيف لا يكون كذلك؟ وهو عدو شرس يقتل الروح قبل أن يقتل البدن... ويفتك بالعقل قبل أن يفتك بالجسد... ويسلب الدين قبل أن يسلب الدنيا.
واسمحوا لنا أن نستهل الحديث عن هذا الموضوع الخطير بهاتين الحادثتين المروعتين:
أما الأولى التي يكاد يقف أمامها القلم عاجزاً مشلولاً من الخجل والحياء.
فهي قصة شاب من إحدى الدول العربية في التاسعة والعشرين من عمره انهال على أمه طعناً بالسكين حتى مزق جسدها بخمس وعشرين طعنة.
والله إن الحلق ليجف... وإن القلب ليرتعد... وإن الكلمات لتعجز... أمام هذه المأساة المروعة... ابن يقتل أمه وما السبب؟
إنها المخدرات !!
أما الحادثة الثانية التي نقلتها إحدى الصحف العربية فهي أبشع حادث إغتصاب يصدم الآذان والقلوب. فهذه أرملة عجوز في الستين من عمرها مات زوجها وترك لها الأبناء وأقامت على تربيتهم خير قيام حتى احتلوا جميعاً أماكن مرموقة.
وفي ليلة خرجت الأم المسكينة في التاسعة مساء لتزور أبناءها، وفجأة انشقت الأرض أمامها عن ذئب بشري وقح، لعبت المخدرات برأسه فأعمت عقله وقلبه وبصره، فرأى المرأة العجوز شابة فاتنة في العشرين ! ! وانطلق ذليلاً لنداء الجنس الذي يصرخ في أعماقه.
فلم يجد أمامه إلا هذه الأرملة المسكينة التي راحت تصرخ بأعلى صوتها وتستغيث وتذكره بأنها أكبر من أمه، ولكن دون جدوى ففعل بها الفاحشة رغماً عنها وسرق ما معها من مال ثم تركها وانصرف.
جريمة قتل... وجريمة زنا... وجريمة سرقة... والسبب المخدرات !
ألم أقل لكم إنه عدو شرس يسلب الدين قبل أن يسلب الدنيا... إنه خطر يهددنا جميعاً أيها المسلمون.
إن الأمة الإسلامية مستهدفة من عدة جهات تستغل المخدرات لإفساد مجتمعاتها ولتحويل الشباب إلى طاقة غير منتجه وإلى شباب ضائع لا يفكر ولا يعمل.
ويزداد الأمر خطراً إذا علمنا أن إحدى الدول العربية تستهلك سنوياً من المخدرات ما يعادل ثمانية مليارات من الجنيهات.
إنها كارثة كبرى بكل المقاييس.
وأخشى ما أخشاه أن نتصور أن القضية تتمثل في مجموعة من المهربين يحاولون جمع الملايين، ولو كان ذلك على حساب مستقبل أبناء الأمة.
أو أن نتخيل أن المشكلة لن تكون أكثر من مجموعة مصحات نحاول أن نقيمها هنا أو هناك لكي نستقبل فيها المدمنين عسى أن يمن الله عليهم بالشفاء...
إن المشكلة في حقيقتها أكبر من هذا... نعم أكبر من محاولات التهريب ومصحات الإدمان.
لأن ما وصلنا إليه اليوم إنما هو نتيجة لمقدمات كثيرة... ومن ثم فإذا أردنا العلاج بحق يجب أن نفتش وبصدق عن هذه المقدمات.
الإسلام دين ودولة... وعقيدة وشريعة فإنه الواجب على الدعاة إلى الله أن يتعرضوا لأمراض المجتمع لتشخيص الداء، وتحديد الدواء. لأننا جميعاً ركاب سفينة واحدة.
ومن ثم فالأمر يحتاج إلى مواجهة صادقة ونصيحة خالصة نسأل الله أن ينفع بها الجميع.
أحبتي في الله:
إن الحل الجذري لهذة المشكلة الكبيرة يتمثل في البحث الصادق عن الأسباب الحقيقية التي أدت إلى انتشار هذا الوباء السريع. وعند هذه الأسباب يكمن العلاج. فمن المستحيل أن نحدد الدواء قبل أن نشخص الداء. وأخطر هذه الأسباب بمنتهى الوضوح والصدق ما يلي:
أولاً: الفراغ الديني عند كثير من هذا الشباب وعدم قيام المسجد بدوره الذي ينبغي أن يقوم به
فلا شك على الإطلاق أن التدين والإلتزام بمنهج الله جل وعلا هو عنصر الأمان والسعادة في الدنيا والآخرة.
قال تعالى: فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى (123) وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى [طه:124،123].
وللجميع أن يقارن مقارنة سريعة بين هذا الشباب الطاهر الطائع، الذي تربى في المساجد، وبين هذا الشباب التائه الضائع الذين أدمن المخدرات، إن الفرق كبير وإن البون شاسع.
فلابد أن نعلم أن المسجد هو الحضن التربوي الطاهر الذي يعلم أبناءنا الفضيلة بعد أن إنتشرت الرذيلة.
فلا تخافوا المساجد، وادفعوا الشباب إلى المساجد، ليجلس بين يدي العلماء والدعاة ليتربى على أخلاق الإسلام، فهي وحدها التي تحول بينه وبين هذا الدمار.
أما إذا ضل طريق المسجد ولم يتذوق معنى الطاعة سلك الطريق الآخر حتماً الذي لا ينتهي إلا بمثل هذه النهايات المأساوية المروعة ولا حول ولا قوة إلا بالله.
ثانياً: أما السبب الثاني والخطير من أسباب هذه الكارثة هو الإعلام المدمر لكثير من القيم والأخلاق
ونستطيع أن نقول بإطمئنان أن كثيراً من الوسائل المختلفة وعلى رأسها البث الفضائي تقوم بدور رهيب، لإشاعة الفاحشة، وللإغراء بالجريمة بكل صورها، وأشكالها ويكفي ذلك أن تراجع الإحصائيات الدقيقة لهذه الوسائل لتتعرف على صدق ذلك: فليس هذا الكلام للإثارة أبداً.
فكم عدد الأفلام التي تعرض للعوالم والراقصات؟ !
وكم عدد الأفلام التي تعرض لتصور الفاحشة والإنحراف والشذوذ؟ !
وكم عدد الأفلام التي تعرض لتعلم أبناءنا الجريمة والإنحراف والفهلوة؟ !
وها هو الغزو الجديد يغزو بلادنا عن طريق شبكات الإنترنت التي إنتشرت انتشار النيران في الهشيم كالمقاهي والنوادي والبيوت والاستراحات تنقل لهم سموم العالم أجمع في لحظات وتحطم القيم والمبادىء.
فماذا تنتظرون بعد ذلك من شباب يقتله الفراغ الديني والذهني وهو يسمع ويرى ما يحول العباد الزهاد إلى فساق فجار. ومع عجزه أن يحصل شيئاً لا يجد أمامه سوى بحر من الأوهام والأحلام الخادعة والذي يتمثل في الاتجار بالمخدرات أو تعاطيها.
ثالثاً: المناهج التعليمية الحديثة:
فإنها تحسن أن تعلم الجيل المعارف والعلوم ولكنها لا تحسن أن تعلم عينه الدموع ولا قلبه الخشوع.
فكم من الطلاب يتخرجون كل عام؟ ما هو نتيجة العلم الذي تعلموه؟ هل خدموا دينهم وأمتهم؟ هل حصلوا على أعلى الشهادات للرقي بهذا الدين والاختراع! أم حصل على الشهادة لمجرد أنها شهادة يقف بها على أبواب المصالح الحكومية ليتلقى وظيفة وراتباً يقضي بها وقته فقط؟.
أين طلاب العلم الذين يستهمون من العلم بقوة بعد أن توافرت لهم كافة وسائل التعلم التي لم تتوافر لأجيال سابقة.
بل إن الأغرب الآن هو التفنن في إضاعة الوقت وسياق النفس إلى الهلاك بدءاً بالسيجارة وانتهاءً بإدمان المخدرات.
فلا بد من النظر مرة أخرى إلى المناهج وإلى طريق التدريس وإلى الهدف برمته من وراء العملية التعليمية. هو أن يخرج طلاب علم تستفيد منهم الأمة الإسلامية ويكونوا ممن يحملون كتاب الله ويطبقون سنة رسوله .
رابعاً: العامل الإقتصادي
لا ينبغي أن نغفل عنه أيضاً كسبب من أسباب المشكلة الخطيرة.
خامساً: التفكك الأسري
الذي غالباً ما تنعكس نتائجه على الأبناء الذين يفقدون أنفسهم بفقدهم لأبائهم وأمهاتهم.
والله سبحانه وتعالى يقول: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [المائدة:90].
وهذا رسول الله يقول: { كل مسكر حرام }.
سادساً: العمالة الوافدة غير المسلمة
قال تعالى: وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ [البقرة:120] ونهى أن يبقى في جزيرة العرب دين غير دين الإسلام وكم من المفسدين وفدوا إلى جزيرة العرب بحجة العمل وهم يبطنون الإفساد والعياذ بالله.
هذه بعض الأسباب التي تشخص الداء وتحدد الدواء في آن واحد إن كنا ممن يريد العلاج الحقيقي والجذري لهذه المشكلة.
حكم المتعاطين المهربين
قال العلماء وعلى رأسهم شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم أن من لم يدفع فساده في الأرض إلا بالقتل وجب على ولي الأمر أن يقتله وهذا ما قاله أيضاً الحنفية والمالكية والحنابلة.
وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاْ أُولِيْ الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [البقرة:179].
أما بالنسبة لمن يتعاطون المخدرات فإن جمهور الفقهاء يقولون بوجوب القصاص من القاتل إن حدث منه القتل حال سكره المحرم، وأوجبوا عليه الحد إذا ارتكب جناية توجب الحد، كالزنا والسرقة حال سكره.
ونص على ذلك المالكية والحنفية وهذا أصح القولين عند الحنابلة والصحيح عند الشافعية.
وأخيراً:
فإنه يجب على الجميع أن يتكاتف لمعالجة هذه المشكلة الخطيرة وليس الأمر عسيراً أو مستحيلاً فلقد نجحت الصين الشيوعية في القضاء على هذا المرض في ألف مليون نسمة ولكن الأمر يحتاج إلى صدق من الجميع.
على العلماء وطلبة العلم في تبصير المسلمين إلى هذا الأمر الخطير.
وعلى الآباء دور كبير في البيت.
وعلى المعلمين دور عظيم في المدرسة.
وعلى الإعلامين دور خطير في أجهزة الإعلام.
ثم... الضرب بشدة على أيدي المهربين أياً كان موقعهم.
أما أنت أيها الشاب المسكين يا من ابتليت بهذا البلاء فهيا عد إلى الله.
إلجأ إلى الله بصدق أن يخلصك من هذا الكابوس.
اللهم استرنا فوق الأرض واسترنا تحت الأرض واسترنا يوم العرض.
اللهم أصلح واهد شبابنا واستر نساءنا... ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماما.
وصلى الله وسلم نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.